الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، (وبعد)
فإن ماليزيا دولة حبيبة إلينا، عزيزة علينا، أثيرة لدينا، لها ذكريات طيبة في نفوسنا، ومحبة صادقة في قلوبنا، ومكانة سامقة في عقولنا. جمعتنا بأهلها علاقات متينة، وزيارات متكررة. وإن أفئدتنا لتبتهج كلما رأيناها تشق طريقها نحو العلا والتقدم في المجالات المختلفة، ونحن ندعو الله لماليزيا، وشعبها، وحكومتها، وملكها أن يديم عليهم مسيرة التقدم والرخاء، والترابط والإخاء.
وإن كنا نأمل أن تتسع الآفاق التي وسعت الانفتاح التعليمي والاقتصادي، والاجتماعي والعلمي، لتشمل الانفتاح السياسي، وألا تنظر الحكومة في ماليزيا إلى معارضيها كما تنظر دول العالم الثالث، فالمعارضة جزء رئيس من مكونات الدولة في النظم الديمقراطية، وهي صمام أمان للحفاظ على وحدة البلد واستقراره، وعدم انجراف الشباب نحو الأفكار الهدامة، والتيارات المتطرفة.
أقول هذا، بمناسبة ما يمر به أخونا وصديقنا الأستاذ الكبير أنور إبراهيم، الذي قام بأدوار عظيمة، وإنجازات كبيرة، وجهود طيبة، استفادت منها دولة ماليزيا والمجتمع الماليزي كله. وقد تابعت كما تابع الناس اتهام الأستاذ أنور بهذه التهمة الغريبة، التي لا تتوافق مع سنه، ولا خلقه، ولا دينه، ولا تاريخه، ولا مكانته، وما أحاطها من ظروف وملابسات غريبة، وتبرئته في أحد أدوار التقاضي تبرئة تامة، ثم الحكم عليه في الدور الذي يليه حكما نهائيا، بعد أن ذهبت الأدلة ومضت مدة من الزمن لا يمكن معها التأكد من شيء.
لقد عرفت أنور إبراهيم شابا في مقتبل شبابه، ثائرا على الأنظمة القديمة، رئيسا لشباب ماليزيا (أبيم) ثم عرفته حين سجن من أجل قيادته الثائرة، ثم عرفته بعد خروجه من السجن وقد اقترب من حزب (آمنو) ثم أصبح عضوا في الحزب، وتولى أكثر من وزارة، حتى أصبح الرجل الثاني في الحزب وفي الحكومة.
ودعاني أنور إبراهيم أكثر من مرة للتقريب بين الحزب الإسلامي وحزب ( آمنو) وكنت عند النداء، لأني كنت أنشد القوة والوحدة والاستقامة لماليزيا.
وتعاونت مع أنور إبراهيم في إقامة الجامعة الإسلامية العالمية، التي تقوم على الجمع بين علوم الوحي، والعلوم الكونية والإنسانية.
وعرفته وهو يتألق في ماليزيا وفي العالم العربي، وفي العالم الغربي، نائبا لرئيس وزراء ماليزيا ووزيرا لماليتها، فكان واحدا من أبرز القادة في ماليزيا الحديثة، وأحد الرجال الذين ساهموا في نهضتها، وكان العالم كله ينتظر – وقتئذ- أن يكون رئيسا للوزراء، وقائدا لماليزيا في مرحلة جديدة، لولا ما تدهمنا به السياسة من صدمات.
أحسبه مسلما صادقا، ومؤمنا مستقيما، يؤدي الواجبات، ويجتنب الكبائر والمحرمات، ويعمل لعزة دينه، ورفعة بلده، وخدمة أمته، والله حسيبه ولا أزكيه على الله. واليوم أنور إبراهيم هو السياسي الوحيد الذي لوحق ويلاحق بقضايا تثار حولها الشبهات، ويسجن في الواحدة تلو الأخرى!! ولو شككت في فعله ما اتهم به، لما كتبت ما أكتبه الآن.
لقد كان بوسعي أن أسكت عما يعانيه الرجل من سجن، غير أن وفائي للرجل، ومعرفتي به وأصالة معدنه، ونصيحتي الخالصة لماليزيا شعبا وحكومة، يمنعاني من أن أغض الطرف عن هذا الموضوع، ويوجبان علي أن أتوجه بالنداء إلى جلالة اليانغ دي. بيرتوان أغونغ/ عبد الحليم معظم. وإلى فخامة الداتو سري/ محمد نجيب تون عبد الرزاق: رئيس الوزراء الماليزي ، إلى إصدار عفو عن الأستاذ أنور إبراهيم، لا سيما وهذه القضية لم تحرك في عهد رئيس الوزراء الحالي، الذي قابلته وراسلته، وآزرته، وأحسنت الصلة به.
وأحسب أنه- بإذن الله- مستجيب لهذا النداء. وأدعو إلى العمل على طي هذه الصفحة التي تسيء إلى دولة ماليزيا وقادتها، وإني والله لحريص كل الحرص على توحيد أهل البلد الواحد، بل توحيد الأمة الإسلامية، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [المؤمنون:52]، و{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103]، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال:46].
اللهم اجمع الكلمة على الهدى، والقلوب على التقى، والأنفس على المحبة، والعزائم على عمل الخير وخير العمل. آمين
يوسف القرضاوي
رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين