السؤال: هناك سؤال يَعِنُّ لكثير من الناس: إذا كان الطلاق بِيَدِ الرجل - كما عرَفْنا من أسباب ومُبرِّرات - فما الذي جعَله الشرع بيَدِ المرأة؟ وما سبيلها إلى التخلص من نِير الزوج إذا كرِهت الحياة معه لغِلَظِ طبعِه، أو سوء خُلُقه أو لتقصيره في حقوقها تقصيرًا ظاهرًا، أو لعَجْزه البدني أو المالي عن الوفاء بهذه الحقوق، أو لغير ذلك من الأسباب؟

جواب فضيلة الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وسلم الله، وبعد ..

جعل الشارِع الحكيم للمرأة عدَّةَ مخارج تستطيع بأحدها التخلص من ورطتها:

1- اشتراطها في العقد أن يكون الطلاق بيدها، فهذا جائز عند أبي حنيفة وأحمد. وفي الصحيح: "أحقُّ الشروط أن تُوَفُّوا به ما استَحلَلْتُم به الفروج". "متفق عليه من حديث عقبة بن عامر، اللؤلؤ والمرجان: 2 / 894".

2- الخُلع: فللمرأة الكارهة لزوجها أن تَفدِي نفسها منه بأن ترُدَّ عليه ما أخذَتْ من صَدَاق ونحوه، إذ ليس من العدْل أن تكون هي الراغبة في الفراق وهدْم عُشِّ الزوجية، ويكون الرجل هو الغارم وحدَه.. قال تعالى: {...فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة:229)

وفي السنة: أن امرأة ثابت بن قيس شكَت إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شدَّة بُغضِها له: فقال لها: "أترُدِّين عليه حديقته"؟ ـ وكانت هي مهرَها ـ فقالت: نعم. فأمر الرسول ثابتًا أن يَأخُذ منها حديقتَه ولا يَزدَاد". (البخاري: 6 / 170 كتاب الطلاق باب (12) عن ابن عباس)

3- تفريق الحكَمين عند الشقاق.. فقد قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء:35) وتَسمية القرآن لهذا المجلس العائلي بـ "الحكمي" يَدُل على أن لهما حق الحكم والفصل. وقد قال بعض الصحابة للحكمين: إن شئتُما أن تجمعَا فاجمعَا، وإن شئتما أن تفرِّقَا ففرقَا.

4-التفريق للعيوب الجنسية... فإذا كان في الرجل عيْب يُعجِزُه عن الاتصال الجنسي، فللمرأة أن ترفع أمرَها إلى القضاء فيَحكم بالتفريق بينهما، دفعا للضرر عنها، إذ لا ضرر ولا ضِرار في الإسلام.

5-التطليق لمُضارَّة الزوجة.. إذا ضارَّ الزوج زوجته وآذاها وضيَّق عليها ظُلمًا، كأن امتنع من الإنفاق عليها، فللمرأة أن تَطلُب من القاضي تطليقها، فيُطلقُها عليه جَبرًا، ليرفع الضرر والظلم عنها. قال تعالى: {ولا تُمسِكُوهنَّ ضِرارًا لتَعْتَدُوا}، (البقرة:231)، وقال تعالى: {فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229) ومن مُضارَّتها ضربها بغير حق.

بل لقد ذهب بعض الأئمة إلى جواز التفريق بين المرأة وزوجها المُعْسِر، إذا عجَز عن النفقة، وطلبت هي ذلك؛ لأن الشرع لم يُكلِّفها الصبر على الجوع مع زوج فقير، ما لم تقبل هي ذلك من باب الوفاء ومكارم الأخلاق.

وبهذه المخارج فتح الإسلام للمرأة أبوابًا عِدَّة للتحرُّر من قسوة بعض الأزواج، وتَسلُّطهم بغير حق. "انظر: "حق الزوجة الكارهة" من كتابي "فتاوى معاصرة": 2 / 361 ـ 366".

إن القوانين التي يَضعها الرجال، لا يَبعُد أن تَجور على حقوق النساء، أما القانون الذي يَضعُه خالق الرجل والمرأة وربهما، فلا جُورَ فيه ولا مُحابَاة، إنه العدل كل العدل: {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَومٍ يُوْقِنُونَ} (المائدة: 550).

والله أعلم.