تلقى فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي سؤالا عما إذا كان لولي أمر المسلمين أن يمنع الرعية من التعدد بدعوى أحقيته في تقييد بعض المباحات بناء على ما يراه من المصالح والمنافع؟ أم أن هذا ليس من حقه؟
وردا على ذلك، قال فضيلته:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن الذي أعطاه الشرع لولي الأمر هو حق تقييد بعض المباحات لمصلحة راجحة في بعض الأوقات أو بعض الأحوال، أو لبعض الناس، لا أن يمنعها منعًا عامًّا مُطلقًا مُؤبَّدًا؛ لأن المنع المطلق المؤبد أشبه بالتحريم الذي هو من حق الله تعالى، وهو الذي أنكره القرآن على أهل الكتاب الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} (التوبة: 31)
وقد جاء الحديث مُفسِّرًا للآية: "إنَّهم أَحلوا لهم وَحَرَّموا عليهم فَاتَّبِعُوهم". "رواه الترمذي عن عدي بن حاتم في أبواب التفسير (3095)، وابن جرير في تفسيره برقم (16631)، وقال الترمذي: غريب. لكن في الباب عن حذيفة موقوفًا رواه الطبراني (16634)"
إن تقييد المُباحِ مثل منع ذبح اللحم في بعض الأيام تقليلًا للاستهلاك منه، كما حدَث في عصر عمر رضي الله عنه، ومثل منع زراعة مَحصول مُعَيَّن بأكثر من مِقْدار مُحدَّد كالقُطن في مصر، حتى لا يَجور التوسع في زراعته على الحبوب والمحاصيل الغذائية التي يَقوم عليها قُوت الناس.
ومثل منع كبار ضباط الجيش أو رجال السِّلْك الديبلوماسي من الزواج بأجنبيات، خشية تُسَرَّبَ أَسرار الدولة، عن طريق النساء إلى جهات مُعادية.
ومثل ذلك منع زواج الكتابيات إذا خيف أن يَحيف ذلك على البنات المسلمات، وذلك في مجتمعات الأقليات الإسلامية الصغيرة والجاليات الإسلامية المحدودة العدد.
أما أن نجيء إلى شيء أَحلَّه الله تعالى وأَذِن فيه بصريح كتابه وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستقر عليه عمل الأمة مثل الطلاق أو تعدد الزوجات، فنمنعه منعًا عامًّا مُطلقًا مُؤبَّدًا. فهذا شيء غير تقييد المباح الذي ضربنا أمثلته.
والله أعلم.