يتعرض الصائمون خلال السفر بالطائرة للحيرة في تحديد دخول وقت المغرب، فقد يعلن طاقم الطائرة عن دخول المغرب حسب البلدة المحلّق فوقها فيما لا يزال يرى المسافر الشمس لم تغرب بعد، وكذا من يسكنون العمارات الشاهقة أو يقطنون فوق الجبال، وفي ذات السياق يتساءل البعض ما هو حكم الإمساك قبيل الفجر؟

ورد هذا التساؤل في فتوى وجهت لفضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وفيما يلي نص السؤال كما جاء على لسان السائل:

سماحة العلامة الدكتور/ يوسف القرضاوي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما رأيكم في أن يقوم الصائمون من ركاب الطائرات على الإفطار عند الغروب بناء على إعلان طاقم الطائرة: أن وقت المغرب قد دخل حسب توقيت المدينة التي يحلقون فوقها، هذا مع استمرار رؤيتهم للشمس بأعينهم من الطائرة، وقد تستمر هذه الرؤية مدة قد تقصر، أو تطول، وخصوصا إذا كانت الطائرة تتجه نحو الغرب.

وكذلك سكان الأدوار العليا في العمارات الشاهقة، ومن يقطنون المرتفعات في الجبال، أو من يكون عملهم على منارات مرتفعة، حيث تعلن أجهزة الإعلام من إذاعة وتلفزة عن دخول وقت المغرب، وتتعالى أصوات المؤذنين بالأذان، في حين لا يزال يرى هؤلاء الشمس ذاهبة إلى الغروب، فهل يفطرون على ما يسمعون أم ما على يشاهدون وينظرون؟!

وما الحكم بالنسبة للإمساك عند الفجر، وهل يعتبر ذلك في كل أوقات الصلاة من فجر وظهر وعصر ومغرب وعشاء؟

نرجو من سماحتكم توضيح الحكم الشرعي في هذه المسألة، سائلين الله تعالى أن يطيل عمركم ويحسن أعمالكم وينفع بكم وبعلمكم.

ابنكم/أ.ك

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الصيام في الإسلام هو الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب ومباشرة النساء وما يتعلق بذلك من تبين الفجر إلى غروب الشمس، كما قال تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ (أي الزوجات) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (البقرة: 187).

وفسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى {إلى الليل} بقوله: "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم"[1].

ومن المعلوم: أن الشمس لا تغرب في وقت واحد في كل العالم، كما لا تطلع في وقت واحد في كل العالم، كما أصبح معلوما من كروية الأرض ودورانها حول الشمس؛ ولهذا تغرب في كل قطر في وقت معين، حسبما يعرف بـ"خطوط الطول". بل تختلف البلدان والمدن في القطر الواحد، فنجد بين القاهرة والإسكندرية في مصر نحو ست دقائق، وفي المملكة العربية السعودية بين الرياض وجدة نحو ثلث ساعة، وهكذا.

ولذلك نجد أجهزة الإعلان، كما في الإذاعة والتلفاز، تنبه بعد إذاعة الأذان، تنبيها مهما، تقول فيه: استمعتم إلى الأذان بتوقيت القاهرة أو الدوحة أو الرياض، وعلى المقيمين خارجها أن يراعوا فروق التوقيت.

وهذا الاختلاف في التوقيت بالنسبة للغروب –ومثله للفجر- واضح وبيّن بالنسبة للامتداد الأفقي. ولكن الذي لا يتضح للكثيرين ما يتعلق بالامتداد الرأسي أو العمودي، أي ما يتعلق بارتفاع المكان وانخفاضه.

فقد لاحظت وأنا أسكن الطابق الرابع عشر على الشاطئ (الكورنيش) بمدينة الإسكندرية، أن أذان المغرب ينطلق من المساجد بجوارنا، ونحن لا نزال نرى نصف قرص الشمس تقريبا لم يغب بعد، فكيف بمن كان يسكن الدور الثلاثين أو الأربعين، وما هو أعلى من ذلك؟!.

ولهذا قلت لمن حولي: ينبغي على أجهزة الإعلان أن تضيف إلى تنبيهها المهم في مراعاة فروق التوقيت لمن كان خارج المدينة تنبيها آخر: أن على الذين يسكنون في الأدوار العليا أيضا: أن يراعوا فروق التوقيت بينهم وبين الذين يسكنون الأدوار الدنيا. ومثل هؤلاء: الذين يسكنون فوق الجبال، ونحوهم.

وقد وجدت الفقهاء نصوا على هذه المسألة بصراحة، فقد نقل العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته الشهيرة عن صاحب "الفيض" قال: ومن كان على مكان مرتفع، كمنارة الإسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده، ولأهل البلدة الفطر إن غربت عندهم قبله، وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر والسحور"[2].

ولا شك أن الذين يركبون الطائرات، ويحلقون في أعالي الجو لأميال عدة بعيدا عن الأرض: ينطبق عليهم هذا الحكم، شأنهم شأن من يسكنون أعالي الجبال، أو العمارات الشاهقة، فلهم فجرهم الخاص بهم، وشروقهم، وغروبهم، فإذا ظهر الفجر في الأفق وبدت علاماته لهم: وجب أن يمسكوا في الصيام، وبدأ وقت صلاة الفجر بالنسبة لهم، ولا يجوز لهم الصلاة قبل ذلك، ولا الأكل والشرب بعد ذلك.

ومثل ذلك في الغروب، فلا يجوز لركاب الطائرة أن يصلوا المغرب على توقيت البلد الذي يحلقون فوقه، ولا أن يفطروا على هذا التوقيت، فيأكلون ويشربون وهم يرون الشمس بأعينهم!!

ومن الخطأ الشائع لدى بعض قادة الطائرات في بعض البلاد العربية: أن يعلن القائد (الكابتن) عن دخول المغرب، ويبيح للركاب الإفطار في الصوم، ومشروعية صلاة المغرب، بناء على فتوى سمعها من بعض المشايخ، وهذا خطأ يجب تصحيحه، والتنبيه عليه، فمغرب مَن في الطائرة غير مغرب مَن على الأرض، بيقين. وقد بينا أصل هذه المسألة، وهو: أن التوقيت كما يختلف بالامتداد الأفقي، يختلف بالامتداد الرأسي والعمودي.

والحمد لله رب العالمين.

_____________

[1] رواه البخاري في الصوم (1954) ومسلم في الصيام ( 1100) عن عمر بن الخطاب.

[2] انظر: حاشية ابن عابدين، تحقيق د. حسام الدين فرفور (6/343).