السلام عليكم ورحمة الله: ما رأي الإسلام في حج المرأة دون محرم وبخاصة في هذه الأيام التي تأمن فيها المرأة على نفسها؟ امرأة وجب عليها الحج، وهى صحيحة الجسم، لديها المال الكافي لنفقات حجها، ولكن لم يتيسر لها زوج أو محرم تحج معه. فهل يجوز لها أن تحج في رفقة بعض المسلمين أو المسلمات، مع ملاحظة أن الطرق الآن أصبحت آمنة، ولم يعد في السفر مخاطرة كما كان عليها من قبل؟ أم يجب عليها تأخير الحج إلى أن يتهيأ لها المحرم. بارك الله فيكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فيجوز للمرأة أن تسافر للحج دون محرم إذا كانت مع رفقة مأمونة، وتحقق أمن الطريق، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قد أذن لأزوج النبى (صلى الله عليه وسلم) بالحج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وإليك تفصيل ذلك في أقوال العلماء:
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله:
الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها ، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها، أوذي محرم لها ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم".
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم" (رواه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة).
وعن أبي سعيد عنه (صلى الله عليه وسلم): "لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذي محرم". (رواه الشيخان في رواية لهما عن أبي سعيد). وعن ابن عمر: "لا تسافر ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم". (متفق عليه من حديث ابن عمر).
والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم، فخرجت جوابًا لهم، غير أن أبا حنيفة رجح حديث ابن عمر الأخير، ورأى أن لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر. وهو رواية عن أحمد.
وهذه الأحاديث تشمل كل سفر، سواء كان واجبًا كالسفر لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في بيئة لا يخلو المسافر فيها من اجتياز صحار مهلكة، وفي زمن لم يسد فيه الأمان، ولم ينتشر العمران.
ولكن ما الحكم إذا لم تجد المرأة محرمًا يصحبها في سفر مشروع: واجب أو مستحب أو مباح؟ وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات، أو كان الطريق آمنًا، لقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء. مع نهي الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن تسافر المرأة بغير محرم.
( أ ) فمنهم من تمسك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
( ب ) ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تُشتهي، كما نقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب (فتح الباري ج 4 ص 447).
( ج ) ومنهم من استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات. بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
( د ) ومنهم من اكتفى بأمن الطريق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ذكر ابن مفلح في (الفروع) عنه قال: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة.. ونقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع. وقال بعض أصحابه فيه وفي كل سفر غير واجب كزيارة وتجارة. (انظر : الفروع ج 3، ص 236، 237، ط. ثانية).
ونقل الأثرم عن الإمام أحمد: لا يشترط المحرم في الحج الواجب. وعلل ذلك بقوله: لأنها تخرج مع النساء، ومع كل من أمنته. بل قال ابن سيرين: مع مسلم لا بأس به. و قال الأوزاعي: مع قوم عدول. و قال مالك: مع جماعة من النساء. وقال الشافعي: مع حرة مسلمة ثقة. وقال بعض أصحابه: وحدها مع الأمن. (الفروع ج 3، ص 235 - 236).
قال الحافظ ابن حجر : والمشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات. وفي قول: تكفي امرأة واحدة ثقة. وفي قول نقله الكرابيسي وصححه في المهذب تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنًا. وإذا كان هذا قد قيل في السفر للحج والعمرة، فينبغي أن يطرد الحكم في الأسفار كلها، كما صرح بذلك بعض العلماء (فتح الباري ج 4 ص 447، ط. مصطفى الحلبي)؛ لأن المقصود هو صيانة المرأة وحفظها وذلك متحقق بأمن الطريق، ووجود الثقات من النساء أو الرجال.
والدليل على جواز سفر المرأة من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات:
أولاً: ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي (صلى الله عليه وسلم) على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك. وهذا يعتبر إجماعًا. (المصدر السابق).
ثانياً: ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم ، فقد حدثه النبي (صلى الله عليه وسلم) عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. فكان مما قال: "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة (بالعراق) تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله... إلخ " وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا؛ لأنه سبق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
هذا ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين:
1. أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد. كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.
2. إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم. سدًا للذريعة. كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم. بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل. وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة؛ لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن؛ ولهذا لا حرج أن تحج مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان.
والله أعلم
- المصدر: إسلام أون لاين