الاستنساخ أفاد الدين في تقريب عقيدة البعث، وإحياء الناس بعد موتهم لحسابهم وجزائهم في الآخرة فقد كان المشركون قديماً والماديون إلى اليوم يستبعدون فكرة البعث بعد الموت.

حقائق متعلقة بالاستنساخ
سئل القرضاوي من قبل صحيفة الراية القطرية عن رأيه بعملية استنساخ الإنسان، فردّ معتذراً  بأن هذا وضع جديد يحتاج إلى بصر ونظر ولا تجدي معه العجالة، فهو غير مسبوق، كما لا يقاس عليه.

وقرر عدداً من الحقائق المتعلقة بالاستنساخ أصلاً فقال:

الإسلام يرحب عموماً بالعلم والبحث العلمي، ويرى من فروض الكفاية على الأمة المسلمة أن تتفوق في كل مجال من مجالات العلم الذي تحتاج إليها الأمة في دينها أو دنياها، بحيث تتكامل فيما بينها، وتكتفي اكتفاء ذاتياً في كل فرع من فروع العلم وتطبيقاته، وفي كل تخصص من التخصصات، حتى لا تكون الأمة عالة على غيرها.

ولكن "العلم" في الإسلام، مثله مثل العمل، والاقتصاد والسياسة والحرب، كلها يجب أن تتقيد بقيم الدين والأخلاق، ولا يقبل الإسلام فكرة الفصل بين هذه الأمور وبين الدين والأخلاق، كأن يقول قائلون: دعوا العلم حراً، ودعوا الاقتصاد حراً، ودعوا السياسة حرة، ودعوا الحرب حرة، ولا تدخلوا الدين أو الأخلاق في هذه الأمور، فتضيقوا عليها، وتمنعوها من النمو والانطلاق وسرعة الحركة.

المفاسد المترتبة عن الاستنساخ
إن الإسلام يرفض هذه النظرة التي أفسدت العلم والاقتصاد والسياسة، ويرى أن كل شيء في الحياة يجب أن يخضع لتوجيه الدين.. وأضاف: إن منطق الشرع الإسلامي -بنصوصه المطلقة، وقواعده الكلية، ومقاصده العامة- يمنع دخول هذا الاستنساخ في عالم البشر، لما يترتب عليه من المفاسد الآتية:

الاستنساخ ينافي التنوع:

أولاً: إن الله خلق هذا الكون على قاعدة "التنوع"؛ ولهذا نجد هذه العبارة ترد في القرآن كثيراً بعد خلق الأشياء والامتنان بها على العباد {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} فاختلاف الألوان تعبير عن ظاهرة التنوع وحسبنا أن نقرأ قول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:27-28).

والاستنساخ يناقض التنوع، لأنه يقوم على تخليق نسخة مكررة من الشخص الواحد، وهذا يترتب عليه مفاسد كثيرة في الحياة البشرية والاجتماعية، بعضها ندركه وبعضها قد لا ندركه إلا بعد حين.

تصور فصلاً من التلاميذ المستنسخين، كيف يميز المدرس بين بعضهم وبعض؟ كيف يعرف زيداً من عمرو من بكر؟

وكيف يعرف المحقق من ارتكب جرماً من غيره، والوجوه واحدة، والقامات واحدة، والبصمات واحدة؟

بل كيف يعرف الرجل زوجته من غيرها والأخرى نسخة مطابقة لها؟ وكيف تعرف المرأة زوجها من غيره، وغيره هذا صورة منه؟

ومن ناحية أخرى لا يؤمن أن يستخدم في الشر، كما استخدمت القوة النووي، وغيرها في التدمير وإهلاك الحرث والنسل.

فما الذي يضمن لنا ألا تأتي بعض القوى الكبرى أو من يقلدها فتستنسخ جيشاً من الأقوياء والعمالقة لتسحق به الآخرين؟

وما الذي يضمن لنا أن تأتي بعض هذه القوى الكبرى وتستخدم نفوذها لمنع الآخرين من هذا الاستنساخ وتحرمه عليهم، في حين تحله لنفسها كما فعلوا في الأسلحة النووية؟

وذكر العلامة القرضاوي ضرراً آخر لهذا الاستنساخ فقال:

الاستنساخ ينافي سنة "الزوجية":

إن الاستنساخ بالصورة التي قرأناها وشرحها المختصون، ينافي ظاهرة الازدواج، أو سنة الزوجية في هذا الكون الذي نعيش فيه، فالناس خلقهم الله أزواجاً من ذكر وأنثى، وكذلك الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات، بل كذلك النباتات كلها، بل كشف لنا العلم الحديث أن الازدواج قائم في عالم الجمادات، كما نرى في الكهرباء ظاهرة الموجب والسالب، بل إن "الذرة" -وهي وحدة البناء الكوني كله- تقوم على إلكترون وبروتون، أي شحنة كهربائية موجبة، وأخرى سالبة، ثم النواة.

والقرآن الكريم يشير إلى هذه الظاهرة حين يقول {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} (النبأ:8)، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} (النجم:45-46)، ويقول {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} (يس:36)، ويقول {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات:49)، ولكن الاستنساخ يقوم على الاستغناء عن أحد الجنسين، والاكتفاء بجنس واحد، حتى قالت إحدى النساء الأميركيات: سيكون هذا الكوكب بعد ذلك للنساء وحدهن.

وهذا ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وليس هذا في مصلحة الإنسان بحالة من الأحوال، فالإنسان بفطرته يحتاج إلى الجنس الآخر، ليس لمجرد النسل، بل ليكمل كل منهما الآخر، كما قال تعالى {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران:195)، وليستمتع كل منهما بالآخر، كما قال تعالى في تصوير العلاقة الزوجية {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة:187)؛ ولهذا حينما خلق الله آدم وأسكنه الجنة، لم يبقه وحده، ولو كان في الجنة، بل خلق له من نفسه زوجاً ليسكن إليها، كما تسكن إليه، وقال له {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (البقرة:35).

وإذا كان كل من الرجل والمرأة في حاجة إلى صاحبه ليسكن إليه، وتقوم بينهما المودة والرحمة، فإن ذريتهما أشد ما تكون حاجة إليهما، أي إلى جو الأسرة، إلى الأمومة الحانية، وإلى الأبوة الراعية إلى تعلم الفضائل من الأسرة، فضائل المعاشرة بالمعروف، والتفاهم والتناصح والتباذل، والتعاون على البر.

وقد علم الناس أن أطول الطفولات عمراً هي الطفولة البشرية التي تمتد لسنوات، يكون الطفل فيها في حاجة إلى أبويه وإلى أسرته مادياً وأدبياً، ولا تتم تربية الطفل تربية هوية مكتملة إلا في ظل أبوين يحبانه ويحنوان عليه، وينفقان الغالي والرخيص حتى يكتمل نموه، وهما في غاية السعادة بما يبذلان لأولادهما، دون منّ ولا أذى.

والاستنساخ لا يحقق سكن كل من الزوجين إلى الآخر، كما لا يحقق الأسرة التي يحتاج الطفل البشري إلى العيش في ظلالها وحماها، واكتمال نموه تحت رعايتها.

العلاقة بين الشخص المستنسخ والشخص المستنسخ منه
وأضاف أن العلاقة بين الشخص المستنسخ بالشخص المستنسخ منه قضية مربكة: فلاشك أن هذا الشخص غير الآخر، فهو -وإن كان يحمل كل صفاته الجسمية والعقلية والنفسية- ليس هو الآخر، فهو بعده بزمن قطعاً، وقد يحمل كل صفاته الأساسية، ولكن تؤثر فيه البيئة والتربية، والثقافة، فتجعل منه شخصاً آخر في عقيدته وسلوكه ومعارفه، فهذه أمور تكتسب، ولا تكفي فيها العوامل الوراثية وحدها.

وإذن يكون شخصاً غير الشخص المستنسخ منه، ولكن ما صلته به؟ أهو ابن أم أخ أم غريب عنه؟ هذه مشكلة حقاً.

قد يقول البعض ببنوته، لأنه جزء منه، وهذا مقبول إذا وضع في رحم المرأة وحملته وولدته، كما قال تعالى {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ الَّلائِي وَلَدْنَهُمْ} (المجادلة:2)، ومعنى هذا أن يكون له أم ولا أب له!!

وقد يقول آخر: إنه أخ توأم للمستنسخ منه، بمثابة التوأمين المخلوقين من بيضة واحدة، ولكن الأخوة فرع عن الأبوة والأمومة، فكيف يثبت الفرع ولم يثبت الأصل؟

وهذا كله يوجب علينا أن ننكر العملية من أصلها لما يترتب عليها من مفاسد.

استخدام الاستنساخ في علاج بعض الأمراض
على أن لفضيلة العلامة القرضاوي رأياً معروفاً في شأن استخدام الاستنساخ في العلاج، خاصة لبعض الأمراض .. قال: لا أدري المقصود من هذا بالضبط، فإن كان المقصود استنساخ إنسان أو طفل أو حتى جنين لتؤخذ منه "قطع غيار" سليمة تعطى لإنسان مريض فهذا لا يجوز بحال، لأنه مخلوق اكتسب الحياة الإنسانية ولو بالاستنساخ فلا يجوز العبث بأجزائه، ولا بأعضائه، ولو كان في المرحلة الجنينية لأنه قد أصبحت له حرمة.

ولكن إذا أمكن استنساخ أعضاء معينة من الجسم مثل القلب أو الكبد أو الكلية، أو غيرها ليستفاد منها في علاج آخرين محتاجين إليها، فهذا ما يرحب به الدين، ويثيب عليه الله تبارك وتعالى، لما منه من منفعة للناس، دون أضرار بأحد أو اعتداء على حرمة أحد.

فكل استخدام من هذا القبيل فهو مشروع، بل مطلوب، طلب استحباب، وربما طلب إيجاب في بعض الأحيان بقدر الحاجة إليه، والقدرة عليه.

ملاحظتان هامتان:
الأولى: أن الاستنساخ ليس كما يتصوره أو يتوهمه البعض "خلقاً للحياة"؛ إنما هو استخدام للحياة التي خلقها الله تبارك وتعالى، فالبيضة التي نزعت منه نواتها من خلق الله تعالى، والخلية التي غرست في البيضة بدل النواة من خلق الله تعالى، وكلتاهما تعمل في محيطها وفق سنن الله تعالى، التي أقام عليها هذا العالم.

والثانية: أن فكرة الاستنساخ أفادت الدين في تقريب عقيدة أساسية من عقائد الدين، وهي عقيدة البعث، وإحياء الناس بعد موتهم لحسابهم وجزائهم في الآخرة فقد كان المشركون قديماً والماديون إلى اليوم يستبعدون فكرة البعث بعد الموت وأن يعود الإنسان نفسه إلى الحياة مرة أخرى.

وقد قرّبت ظاهرة الاستنساخ الأمر، أنه بواسطة بيضة وخلية يعود الإنسان نفسه بصورة جديدة إلى الحياة، فإذا كان هذا أمراً قدر عليه الإنسان، أفيستبعد على قدرة الله أن تعيد الإنسان مرة أخرى إلى الحياة بواسطة ما سمي في الحديث بـ "عجب الذنب" الذي لا يفنى من الإنسان، أو بغير ذلك مما نعلمه وما لا نعلمه؟ {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (الروم:27).

- المصدر: جريدة الراية القطرية - بتصرف