عرفنا أن قطر بدأت تعليمها العالي بكليتي التربية للطلبة والطالبات في مبنيين منفصلين، وهيئة تدريس مشتركة، وعميد واحد، هو الدكتور محمد إبراهيم كاظم، وكان ينوب عنه في مبنى البنات الأستاذة الفاضلة الدكتورة كوثر عبد الرسول، زوجة الأستاذ الفاضل الدكتور محمد رياض.
وقد صدر القرار الأميري في أواخر سنة (1976 - 1977م) الدراسية بإنشاء جامعة قطر، التي تبدأ بكليات أربع، هي:
1 - كلية التربية
2 - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
3 - كلية العلوم
4 - كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية
وفي قانون تأسيس الجامعة: أكد بصورة واضحة: هويتها الإسلامية، وانتماءها العربي، وجمعها بين الأصالة والمعاصرة.
وأصبح الدكتور كاظم مدير الجامعة، أما الرئيس الأعلى للجامعة، فهو أمير البلاد نفسه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.
كلية الشريعة:
وقد كُلِّفت بإعداد كل ما يلزم لتأسيس كلية الشريعة، ووضع المناهج اللازمة لها، لتخريج العالم الشرعي المسلم، الذي إذا استُفتي أفتى بعلم، وإذا دعا إلى الله دعا على بصيرة، وهو الذي ينظر إلى الشرع والتراث بعين، وينظر إلى الواقع والعصر بالعين الأخرى، فيزاوج بين الواجب والواقع، كما قال الإمام ابن القيم. فيرتبط بأصله، ولا ينعزل عن عصره.
واستعنت بمناهج الكليات المناظرة، وانتقيت أفضل ما فيها، كما طعمّتها بأفضل ما رأيته ضروريًّا لتكوين العالِم الشرعي المعاصر، مستعينًا بإخواني وزملائي في قسم الدراسات الإسلامية.
وكان نظام الجامعة يفرض علينا أن يدرس الطالب مواد مساعدة، ومواد اختيارية، بالإضافة إلى متطلبات الجامعة، تستغرق (54) ساعة من مجموع الساعات التي يدرسها الطالب، ليتخرج بعدها، وهي (144) ساعة مكتسبة. ومعنى هذا: أن عندنا (90) ساعة، تتصرف فيها الكلية، وقد قسمناها إلى تخصصين: تخصص للشريعة، وتخصص لأصول الدين. ولهذا اخترنا تسميتها: «كلية الشريعة والدراسات الإسلامية» لتدخل علوم «أصول الدين» ضمن «الدراسات الإسلامية».
وكانت فكرتي تقوم على أن هناك قدرًا من الدراسات الشرعية، يجب أن يدرسه كل طالب في الكلية، أيًّا كان تخصصه، من التفسير والحديث والفقه والعقيدة، وهو ما يسمى في بعض الجامعات: «الجذع المشترك». ثم يبدأ التخصص «الشريعة أو أصول الدين» عادة في السنة الثالثة، أو الفصل الدراسي الخامس.
وقد ضمت الكلية صفوة من خيرة الأساتذة في شتى التخصصات، توافدوا عليها في سنوات عدة، منهم في العقيدة: د. محمد عبد الستار نصار، ود. محمود حمدي زقزوق «وزير الأوقاف في مصر الآن»، ود. أحمد الطيب «رئيس جامعة الأزهر الآن»، ود. عبد الفتاح بركة.
وفي الفقه: د. عبد العظيم الديب، ود. علي السالوس، ود. عليّ القرة داغي، ود. محمد الدسوقي.
وفي الدعوة: د. حسن عيسى عبد الظاهر، ود. رءوف شلبي، ود. عبد الستار نوير.
وفي التفسير: د. إسماعيل الطحان، ود. عدنان زرزور، ود. محمد البلتاجي.
وفي الحديث: د. موسى شاهين لاشين، ود. علي جماز، ود. يوسف عبد المقصود، ود. إسماعيل الدفتار.
وبعد ذلك ضمت الكلية عددًا من أبناء قطر وبناتها، ومنهم من خريجي الكلية ذاتها وخريجاتها. منهم من تولى عمادة الكلية، مثل: د. عليّ المحمدي، ود. عائشة المناعي، عميدة الكلية الآن. وقد بدأت الدراسة في الكلية -كما في سائر كليات الجامعة الأخرى- منذ بدأ العام الدراسي (1977 - 1978م).
وقد عينت بقرار أميري عميدًا للكلية، وظللت عميدًا لها اثنتي عشرة سنة، حتى أعرت إلى الجزائر (سنة 1989 - 1990م)، وسيأتي الحديث عن ذلك في حينه إن شاء الله. وكان عمداء الكليات معي في ذلك الوقت: أ. د. جابر عبد الحميد جابر، عميد كلية التربية، و أ. د. ماهر حسن فهمي، عميد كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، و أ. د. عبد الحليم كامل، عميد كلية العلوم.
ابنتاي إلهام وسهام تدخلان الجامعة:
وفي هذه السنة دخلت ابنتاي «إلهام وسهام» جامعة قطر، وكانتا قد حصلتا على الثانوية بتفوق كما ذكرنا من قبل. وقد أشار عليَّ بعض زملائنا في الجامعة بإرسالهما إلى مصر، ليدخلا كلية الطب، فهذه هو التوجه المصري العام لدى الناس: أن الطالب المتفوق أو الطالبة المتفوقة لا بد أن يلتحق بكليات «القمة» كما يسمونها.
وقلت لأحد الزملاء، وهو أستاذ متميز في كلية العلوم: وما عيب كلية العلوم وأنت فيها الآن أستاذ ملء السمع والبصر؟! قال: يا فضيلة الأستاذ، انظر إلى دخلي ودخل الطبيب الذي أخذ الثانوية ودخل الجامعة معي؟ ما أعظم الفرق بيني وبينه!
وكانت ابنتاي غير متحمستين للطب. وهذا من فضل الله علينا؛ لأنهما لو كانتا حريصتين عليه، لوقعنا في مشكلة: هل تعيشان وحدهما؟ أو هل تنقسم الأسرة الأب هنا والأم هناك؟ والحمد لله، لقد اتفقت مع ابنتَيّ: أن يكون همهما الحصول على الماجستير والدكتوراه، وهناك تتساوى الرءوس.
وهكذا استراحت ابنتاي إلى دخول جامعة قطر، والبقاء في حضن العائلة. وبحكم تخرجهما في القسم العلمي، ستدخلان «كلية العلوم» التي أنشئت هذا العام. وقد اختارت إلهام قسم «الفيزياء» التي تهوى البحث فيها، واختارت سهام قسم «الكيمياء» التي تحبها أيضًا.
ولكن طلبة الجامعة وطالباتها لا يدخلون الأقسام التي يريدونها مباشرة، بل يدرسون السنة الأولى دراسة عامة، مقسمة إلى قسمين: العلمي العام، والأدبي العام. فطلاب كلية العلوم والأقسام العلمية في كلية التربية: يدرسون مواد مشتركة في هذا «العلمي العام». وطلاب الشريعة والإنسانيات والأقسام الأدبية في كلية التربية: يدرسون مواد مشتركة في الأدبي العام. كما يدرس الجميع «متطلبات الجامعة» من الثقافة الإسلامية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية.