في أوائل شهر أغسطس سنة 1952م، أي بعد حوالي مضي أسبوعين على قيام ثورة 23 يوليو؛ جاءني أمر من الأستاذ الهضيبي المرشد العام أن أتهيأ لرحلة إلى بلاد الشام: لبنان وسوريا والأردن، أنا والأخ الفاضل الأستاذ محمد علي سليم من إخوان الشرقية؛ توثيقًا للصلة بالإخوة هناك، وتعميقًا للتربية عندهم.

وكانت هذه أول رحلة لي خارج مصر، وقد رحبت بها كل الترحيب، فالسفر نصف العلم، وفي أمثالنا قالوا: الذي يعيش يرى كثيرًا، قيل: لكن الذي يسافر يرى أكثر، وقد حفظنا من شعر الإمام الشافعي:

ما في المقام لذي عقل وذي أدب  **  من راحة، فدع الأوطان واغترب

إني رأيت وقـوف الماء يفسده  **  إن سال طاب، وإن لم يجر لم يطب

والتبر كالتُرْب ملقى في أماكنه  **  والعود في أرضه نوع من الحطب

فـإن تغرّب هـذا عـز مطلبه  **  وإن تغـرّب ذاك كان كـالذهب

لهذا استبشرت بهذه الرحلة لأرى فيها الدنيا والناس، وأتعلم من مدرسة الحياة لا من الكتب وحدها، وفيها كانت لي هناك أوّليات شتى: فهي أول مرة أستخرج فيها جواز سفر، وأول مرة أركب فيها الباخرة إلى خارج مصر، فقد ركبت الباخرة "عايدة" إلى الطور، وأول مرة أركب فيها الطائرة عائدًا إلى مصر من عمَّان، وأول مرة ألبس فيها قميصًا وبنطلونًا، وأول مرة أضطر للتعامل مع إخواني باسم غير اسمي، وأول مرة أحمل فيه نقدًا غير العملة المصرية، وأتعامل به... إلى آخره.

كانت الثورة في أيامها الأولى، ولم يكن يُسمح لأحد بالسفر إلا بتصريح من رجال الثورة، ولا بد أن يكون التصريح مسببًا، ولكن كانت العلاقة حسنة بين رجال الثورة والإخوان؛ فاستطاع الأستاذ منير دلَّة عضو مكتب الإرشاد أن يستخرج لي تصريحًا بالسفر، مندوبًا لشركة أدوات كهربائية يملكها أحد الإخوان.

وكان علينا أن نسافر بأرخص الوسائل حتى لا نكلف الجماعة الكثير، فكانت الباخرة هي الأرخص، وعلينا أن نختار أرخص الدرجات في الباخرة، وهي ما يسمونه "أون دك" أي على السطح، وكان الأخ سليم هو الذي يتولى الصرف.

ووصلنا إلى الإسكندرية، وألقيت محاضرة بدار الإخوان هناك، وبتُّ عند صديقي السيد الغضبان، ابن محلة أبو علي ومندوب طلبة الإخوان في جامعة الإسكندرية، لنسافر من الغد إلى بيروت. وركبنا الباخرة "سيبيريا" على ما أذكر، وأخذنا موقعنا على سطحها، وقلنا: بسم الله مجراها ومرساها، وكان السطح جميلًا جدًا، وخصوصا بالليل، تطالعنا نجوم السماء، التي جعلها الله زينة ومصابيح للسماء {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} (الحجر:16)، وكان البحر الأبيض في غاية الروعة والجمال والجلال، والباخرة الكبيرة تشق عبابه في قوة وانسياب، وأتذكر قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ} (الشورى:32).

وفي اليوم التالي، وصلنا إلى بيروت، وهي مدينة هادئة جميلة، ومعظم شوارعها لا يتسم بالسعة، ولم يكن فيها في ذلك الوقت أي ازدحام في الشوارع أو في المواصلات، بل الحياة رحبة كنسيم البحر الذي يهب عليها، ولم يكن للإخوان وجود رسمي بها، ولكن كانت هناك جماعة "عباد الرحمن" التي أسسها الداعية والمربي الفاضل الأستاذ محمد عمر الداعوق، فتعرفنا على من لقيناه منهم، ولا أذكرهم الآن، ولم يكن الأستاذ الداعوق حاضرًا ببيروت.

وكان في بيروت الأستاذ الفضيل الورتلاني أحد مشاهير علماء الجزائر الذين نفتهم فرنسا من الجزائر، لخطورتهم ونشاطهم، وقد بقي في القاهرة مدة من الزمن، وكان على صلة وثيقة مع الأستاذ البنا، وقد كلفه الأستاذ البنا بملف "اليمن" والاتصال بأحرارها ورجال الإصلاح فيها، وكان له دور معروف غير منكور في انقلاب اليمن على الإمام يحيى حميد الدين، وقد فشل الانقلاب الذي قام به ابن الوزير، وسيف الإسلام إبراهيم ابن الإمام يحيى، بعد أن نجح أول الأمر، ولكنه لم يستقر.

وقد فر الأستاذ الورتلاني من اليمن، وحاول أن يجد بلدًا يؤويه، فلم يجد، وظل على ظهر الباخرة شهرين، حتى استطاع بوسيلة وأخرى أن ينزل إلى بيروت، ويُعرف بين الناس باسم "أبو مصطفى"، وكانت فرصة طيبة لي أن التقيت به وتحدثت طويلًا إليه، واستمعت إلى أفكاره في الإصلاح، واقترحت عليه أن ينزل إلى مصر، بعد تغير الوضع وزوال الملكية، ووافق على ذلك، على أن ينزل في صورة تليق بمكانته وتاريخه.

بقينا في بيروت نحو ثلاثة أيام، ثم عزمنا متوكلين على الله أن نتوجه إلى دمشق عن طريق البر طبعًا، وكان الأخ محمد سليم قد اقترح علي أن أغير زيي الأزهري؛ لأنه يلفت النظر في سوريا، في حين نريد أن نقضي أيامنا في ربوعها بلا ضجيج ولا إعلان.

ولهذا اشتريت قميصًا وبنطلونًا، وخلعت الكاكولة والعمامة، ولبستهما لأول مرة، وكان هو الأليق بالحال في سوريا، فقد دخلت سوريا عصر الانقلابات العسكرية من حسني الزعيم إلى الحناوي إلى أديب الشيشكلي، الذي يحكم سوريا حاليًا، وقد كانت قبضة الحكم العسكري قوية، ورجال المكتب الثاني يسيطرون على أزِمَّة الأمور.

لهذا لم يكن من الحكمة أن أتحرك بالزي الأزهري الذي يجعل الأصابع تشير إليّ حيثما ذهبت، بل اقترح علي الإخوة المسؤولون في دمشق، ومنهم الأخ كاظم نصري، والأخ علي الحسن المسؤول عن الأسر، أن أختار اسمًا آخر أتعامل به مع الإخوان؛ فاخترت اسم "عبد الله المصري" حتى لا يكون فيه كذب، فأنا عبد الله ومصري.

وعرفني عامة الإخوان السوريين بهذا الاسم، إلا أخوين أو ثلاثة، ورتب لي الأخ علي الحسن لقاءات مع عدد من الأسر، ألتقي بهم في سرّية وتكتم حتى لا نُكشف أمام جهات الأمن المفتحة الأعين، كما هيئ لنا معسكر في بعض القرى الجبلية القريبة من دمشق، كنت أقوم فيه بالتربية الإيمانية والفكرية، ويقوم بالتدريب الأخ عبد العزيز علي الذي لحق بنا هناك.

وفي ليلة من الليالي كنت في بيت أحد الإخوان الدمشقيين، ألقي عليهم درسًا، مع حرصي على خفض صوتي، إلا أن طبيعتي غلبتني، وارتفع صوتي دون أن أشعر، وهو صوت مصري اللهجة؛ وسرعان ما سمع الإخوة طَرْقًا على الباب، فقالوا: المكتب الثاني؛ وهنا أدخلوني إلى مكان الحريم في الداخل، وفُتح الباب، وإذا هو أحد رجال الأمن، اقتحم عليهم الباب، ودخل الحجرة التي فيها الإخوان، فقال: هل عندكم ضيف؟ فقالوا: ليس عندنا أحد، ولكنا نجلس لتلاوة القرآن، ويحدثنا أحدنا في تفسير بعض الآيات، ولم يجترئ الرجل أن يفتش حجرات الحريم، ومرت الليلة بسلام.

إلى مدينة حمص

ورأى الإخوان أن الجو في دمشق غير مساعد، وأن أعين الأجهزة الأمنية متيقظة؛ ولذا ينبغي أن نشد الرحال إلى "حمص"، فهي أخف وأهدأ، وليس فيها من ترصد الأجهزة ما في دمشق؛ وفعلًا سافرت أنا والأخ محمد سليم إلى حمص، وهي مسقط رأس الداعية الكبير الشيخ الدكتور مصطفى السباعي، المراقب العام للإخوان في سوريا، والذي اضطره الحكم العسكري أن يغادر سوريا إلى لبنان، فلا يمكن لمثله المقام تحت وطأة هذا الحكم؛ إلا أن يكون داخل السجن؛ ولذا لم أسعد بلقاء الشيخ الجليل أثناء وجودي بسوريا، ولم يكن هناك إمكان للعمل العلني، فلم يبق إلا عمل الأسر السري؛ وهكذا تضطر الأنظمة الدكتاتورية الإخوان ـ وغيرهم ـ إلى العمل تحت الأرض، بدل العمل تحت سمع القانون وبصره.

وقد استضافني أخ كريم في بيته، وهو نور الدين شمسي باشا، وكان يعمل بالتعليم على ما أذكر، وكنت ألتقي بالإخوان يوميًا في إحدى المزارع أو الحدائق القريبة، نلتقي على صلاة الفجر، ثم نجلس جلسة روحية، ألقي عليهم فيها بعض المعاني والخواطر الربانية، ونتذاكر بعض المسائل الشرعية، والقضايا العامة، ثم نقوم إلى التدريبات الرياضية، ونتناول الفطور، ثم ننصرف، وأحيانًا نلتقي لقاءات خاصة في بعض البيوت.

وكان على رأس الإخوان في حمص الأستاذ عبد المجيد الطرابلسي، الذي كان يتوقد حماسًا ونشاطًا في ذلك الوقت، ثم تغير حاله بعد ذلك في عهد الوحدة مع مصر، وانضم إلى الناصريين، ثم وَالَى الحكومة، وعُيّن وزيرًا للأوقاف في سوريا، واستمر في الوزارة عدة سنوات، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار، ثبِّت قلبي على دينك".

بقيت في حمص نحو عشرة أيام مليئة بالحيوية والنشاط في إطار السرية المفروضة على العمل الإسلامي، وكان يقيم في حمص أخونا محمد نجيب جويفل رجل النظام الخاص، وهو صديق رفيقي محمد علي سليم، وكلاهما شرقاوي، ولكنه لم يكن موجودًا بحمص ولا بسوريا فترة بقائي بها؛ فلم يتح لي أن ألقاه.

وقد اختلف الإخوة السوريون في دور جويفل في إخوان سوريا، وبعضهم يحمّله تبعة ما حدث من انقسام هناك، وليس عندي علم بتفاصيل ذلك، وقد أفضى إلى ما قدم، سامحه الله وجزاه بنيته. ولقد نزل مصر بعد ذلك وكان من الرجال الذين تعاونوا مع الثورة ومخابراتها. وفي حمص ودعت رفيقي الأخ محمد علي سليم لأنطلق في زيارة سريعة إلى مدينة حماة .

إلى مدينة حماة

ومن حمص انتقلت إلى مدينة "حماة" لألتقي بالشيخ عبد الله الحلاق المسؤول عن الإخوان بها، والتقيت بعدد من الشباب بها في عدة جلسات، ومن أهم ذكرياتي بحماة: أن زارني في مقري عالم حماة وخطيبها ومرشدها العلامة محمد الحامد، الذي أبى إلا أن يحمل لي معه الحلوى الحموية الشهيرة "الشعيبيات" وقد احتفى بي الشيخ الجليل، وسألني عن أحوال الإخوان، وعن عدد من أصدقائه منهم، وأول من سألني عنه هو صديقه الشيخ عبد المعز عبد الستار، فقد كانت بينهما -أيام دراسته في بمصر- مودة عميقة ورابطة وثيقة.

ولحقنا ـ ونحن في حماة ـ الأخ أحمد عادل كمال، قادمًا من القاهرة، وهو من الإخوان المسؤولين بالنظام الخاص، ولا أدري هل قدم بأمر من الأستاذ الهضيبي المرشد العام أو جاء بترتيب من النظام الخاص؟ على أية حال، لم يطل بنا المقام في حماة، إنما بقينا بها ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع ودّعتها عائدًا إلى دمشق، لأولّي وجهي شطر عمَّان، استكمالًا للرحلة المقررة.

إلى الحدود السورية

بعد عودتي إلى دمشق؛ كان لا بد من ترتيب السفر إلى الأردن، وودَّعني الإخوة في دمشق: الأخ كاظم نصري وإخوانه، وودعتهم متجهًا إلى الأردن، وعندما وصلنا الحدود السورية فاجأتني مشكلة لم أتوقعها، فقد نظروا في جوازي، وقالوا لي: يا أستاذ، ليس في جوازك تأشيرة إقامة، ولا يمكنك الخروج حتى تحصل عليها، قلت: والله لا علم لي بذلك، ولم يخبرني الناس الذين كنت ضيفًا عليهم بذلك، وعلى كل حال أنا الآن مغادر، ولا حاجة لي إلى تأشيرة الإقامة..

قالوا: يا أستاذ هذا قانون، ولا بد من التأشيرة من دمشق، قلت: أمري إلى الله، لا بد من الرجوع إلى دمشق بعد قطع هذه المسافة الطويلة، ومن أين لي أن أجد مواصلة ونحن في المساء؟ ولكن الله يسر ذلك، إذ وجدت رجلًا تبدو عليه مخايل الصلاح، يركب سيارة خاصة، فشرحت له ظروفي، وضرورة عودتي إلى دمشق؛ فرحب بي، وأركبني معه لوجه الله.

وعدت إلى دمشق معاتبًا الإخوة الذين لم ينتبهوا لأخذ تأشيرة إقامة لي، وبخاصة أن هذه أول مرة أسافر فيها ولا علم لي بإجراءات التأشيرات وما شابهها؛ فاعتذر الإخوة لي عن هذا الخطأ الذي يحملون تبعته بلا شك، وفي الصباح سارعوا بالحصول على التأشيرة، وسافرت مرة أخرى إلى الحدود، مستوفيًا الشروط؛ وبالفعل منحوني تأشيرة الخروج من سورية.

إلى الحدود الأردنية

وخرجت من الحدود السورية، لأصل إلى الحدود الأردنية، وهناك فاجأتني مشكلة أخرى جديدة لم أحسب لها حسابًا؛ فقد نظر المسؤول في جواز سفري، ثم وجه الخطاب إليّ، وكنت قد خلعت القميص والبنطلون، ولبست العمامة والكاكولة، فقال لي: يا شيخ يوسف، جوازك ليس فيه تأشيرة دخول.

قلت: نعم، ليس لكم سفارة في دمشق، (كانت العلاقة مقطوعة بين البلدين).

قال: كان عليك أن تحصل على التأشيرة من القاهرة قبل أن تغادرها.

قلت: ربما لم يكن عندي نية لزيارة الأردن في أول الأمر، ثم وجدت نفسي على مقربة من القدس، وأريد أن أصلي في المسجد الأقصى الذي تُشدّ إليه الرحال، هل تمنعني من ذلك؟

قال: يا أستاذ، أنت رجل جامعي، ورجل مثقف، وتعلم أنه لا يجوز لأحد دخول بلد أجنبي إلا بتأشيرة.

قلت له: إن الثقافة التي يعلمونها لنا في الأزهر، لا تعتبر الأردن بالنسبة لي بلدًا أجنبيًا، إنهم يعلموننا أن المسلمين أمة واحدة، وأن بلاد المسلمين وطن واحد اسمه "دار الإسلام"، وأن ابن بطوطة خرج من طنجة من المغرب وجال في البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، ولم يوقفه أحد ليسأله: أمعك تأشيرة أم لا؟..

وضحك الرجل، واتصل بأحد كبار المسؤولين في الداخلية، أظنه وكيل الوزارة، وقال له: عندي طالب مصري أزهري لا يحمل معه تأشيرة دخول، وهو يجادلنا، ويقول: كيف تمنعوني من الصلاة في الأقصى؟ ويبدو أن هذا المسؤول كان رجلًا سمحًا، فقال له: أعطه تأشيرة.

وأخيرًا وصلت إلى "عمّان" واستقبلني الإخوة بها استقبالًا طيبًا، وحكيت لهم ما وقع لي على الحدود، وحمدوا الله أن ذلل لي العقبات، وكان للإخوان في عمان دعوة علنية لها دورها وشُعَبِها ووضعها القانوني، وكان على رأسهم الحاج عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام للإخوان، الذي دعاني على وليمة في منزله، ودعا إليها عددًا من الإخوان والوجهاء، وكان هو أول مراقب للإخوان في الأردن، ولكن الذي كان يشرف على العمل وينظمه حقيقة الأخ ممدوح كركر، ومعه مجموعة من الإخوة في عمان: ممدوح السرايرة، ومنصور الحياري، ووليد الحاج حسن، وأبو حكمت وغيرهم.

وكانت "عمان" بلدة محدودة جدًا، أشبه بقرية كبيرة، وبيوتها متواضعة، وسكانها قليلون، والحركة فيها خفيفة، والنشاط فيها محدود.

وقد رتب لي الإخوة عددًا من المحاضرات في عمان، وفي عدد من مدن المملكة الأردنية في الضفة الشرقية، مثل الصلت، وقد حضر هذه المحاضرات بعض الشباب الذين أصبحوا قادة بعد ذلك، مثل: د. إسحاق الفرحان، وغيره. وكذلك ألقيت محاضرة في مدينة إربد، التي أقيمت المحاضرة فيها في إحدى دور السينما، وحضرها جمهور غفير، وكان من الحضور الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة الذي كان نائبًا للأحكام (من الوظائف القضائية في الدولة)، وقال لي الأخ الذي عرَّفني به فيما بيني وبينه: إنه من الإخوان المهمين، الذين يُرجى أن يكون لهم شأن.

كما لقيت عددًا من الشخصيات في عمّان، منهم الأستاذ أمين بروسك الزعيم الكردي. وأذكر من الرجال الذين لقيتهم ممن يُنسب إلى التحرير: الشيخ عبد العزيز الخياط، وقد عاد من القاهرة، وكنت أقرأ له مقالات في "مجلة الإخوان" عن العالم الإسلامي، وإن لم يفصح لي بأنه ينتمي إلى التحرير.

معسكرات للتدريب

وكان من النشاط الذي شاركت فيه في هذه الفترة: معسكر أقيم للتربية والتدريب في أحد الجبال الغربية من عمان، واشترك فيه عدد من الإخوة من مناطق مختلفة من أنحاء الأردن، وكان الأخ أبو أسامة عبد العزيز علي، المدرب العريق في دعوة الإخوان، الذي تخرج على يديه أجيال، وشارك في معارك شتى من معارك الجهاد؛ هو الذي يقوم بالتدريب الرياضي العنيف الذي يُربّي الشباب على الخشونة والتحمل والمخاطرة، وقد كنت تركته في سورية ثم لحق بي إلى الأردن .

وكنت أقوم بالتوجيه الروحي والثقافي في المعسكر، وأشارك الشباب في تدريباتهم الرياضية. وبقينا أياما طيبة في ظل هذا المعسكر، ثم انتهى، وعاد الإخوان إلى مدنهم ومناطقهم، حاملين ذكريات طيبة، وربما بعض إصابات في أبدانهم تذكرهم بأبي أسامة ومخاطراته. وأذكر ممن كان معنا في هذا المخيم الأخ عبد الله خليل شبيب، الأديب والكاتب الذي ذهب بعد ذلك إلى الكويت، وبقي بها سنوات طويلة.

ثم عدت إلى عمان، لترتيب زيارات إلى مدن الضفة الغربية، ولقاء الإخوان بها خاصة، والمسلمين عامة.