أكد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي أن نصر الله عز وجل آت للمؤمن لا ريب فيه، وأن الصبر مع البر هو من لوازم النصر. كما أكد أن الإسلام اعتبر المشاورة مع أهل الحل والعقد وعموم المسلمين واجبة لتحقيق السداد في الرأي.

جاء ذلك في درس التراويح بجامع الشيخة موزة بنت علي بالدفنة، حيث تحدث فضيلته أمس عن معاني الآية القرآنية الكريمة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).

وروى فضيلته مواقف الشورى من السيرة النبوية فقال إنه بعد أن أسر المسلمون أكثر من سبعين من المشركين، شاور النبي أصحابه، فأشار بعضهم بالفداء بالمال أو بتعليم صبية المسلمين القراءة والكتابة، وأشار بعضهم بغير ذلك، فنزل النبي عليه الصلاة والسلام عند مشورتهم.

وكذلك في غزوة الخندق اجتمع العديد من القبائل لحرب النبي وصحبه، وقد أعدوا وحشدوا الكثير من الأسلحة والرجال، إلا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد صلح بعض هؤلاء على بعض الثمار من المدينة المنورة، فاستشار صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر فقال له سعد بن عبادة إن هؤلاء لم يكونوا يأخذون من ثمار المدينة إلا ضيافة من أهلها.. وذلك قبل إسلامنا.

وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشير أصحابه وينزل لرأيهم حتى في الأمور الشرعية، فقد استشار سيدنا علي كرم الله وجهه، كما استشار أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها، ويتابع التوجيه الإلهي للنبي {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}، فإذا أقمت على هذا الرأي الدلائل الشرعية فاستشر وخذ بالرأي السديد.

سنن النصر

وتابع القرضاوي بأن هذا التوجيه هو في جملة التوكل على الله عز وجل ومنه الآية الكريمة {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}(آل عمران:160) فالنصر من عند الله وحده، وله أسبابه، فعلى المسلم أن لا يستسلم للظالم، وعليه أن يتبع سنن الله في الإعداد المعنوي بنصرة الخير وتزكية النفس والإعداد المادي.

وقال إن هذا لا يعني بأن الكافر ينصر أو يؤيد من الله عز وجل، وإنما هي مهلة دينية يعقبها أخذ الله عز وجل {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود:102) {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}(الأنعام:44).

وأكد فضيلته أن نصر الله عز وجل آت للمؤمن لا ريب فيه، وأن الصبر مع البر هو من لوازم النصر، وأن العجلة لا تقدم ولا تأخر فكل شيء بأوانه، وعلى المسلم العمل بما يقتضيه النصر في الدنيا والآخرة.

وشدد فضيلته على أن تحقق النصر لا يكون إلا بالتوكل على الله وحده، فإن اجتمع أهل السماوات والأرض على ضرر إنسان فالله وحده القادر على ردهم خائبين، ولذلك قال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

فالله عز وجل أهل لأن يعز المؤمنين بجند من جنده، فبعد ألف عام نصر نوح عليه السلام على من كفر من قومه، ونصر صالحا عليه السلام على قومه ثمود، ونصر شعيبا عليه السلام على قومه من أهل مدين، ونصر موسى عليه السلام على فرعون، ونصر النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم على أهل الشرك من قومه، ونصر سبحانه كل أهل الحق على أهل الباطل، وهذه سنة ربانية، وعلينا أن نثق بنصر الله عز وجل، وأن ندعو الله عز وجل {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}  (آل عمران:147)

ونصح في ختام الدرس المؤمن الصادق بأن يواجه الظلمة الذين يفعلون الفواحش والظلم، داعيا الله عز وجل أن يفرج عن المؤمنين.