قال العلامة الشيخ يوسف القرضاوي إن الحرية الإنسانية الحقيقية تكون بالاستقامة والالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى، واجتناب نواهيه، وأن دعوة الإسلام هي دعوة لأن يكون الناس جميعا «سواء» عبادا لله وليست دعوة استعمار ولا سيطرة.

وبين فضيلته في درسه الثالث من دروس التراويح بجامع الشيخة موزة بنت علي بن سعود آل ثاني حول تفسير بعض آيات القرآن، أن الإسلام دعا للحوار مع أهل الكتاب، مستدلا بقول الله تعالى {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} وذكر أن هذه الآية الكريمة التي أنزلها الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم موجهة إلى كل أهل الكتاب في العالم.

وذكر أن كتاب الله حمل الكثير من النداءات إلى فئات معينة من الناس أو كان النداء عاما مثل هذا النداء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الذي يشمل المسلمين والمشركين والموحدين ومن لا كتاب لهم ويشمل كذلك أهل الكتاب.

نداء القرآن

وقال فضيلته إن القرآن خاطب «بني آدم» خمس مرات، وهناك نداء لأهل الكتاب ونداء للرسل الذين أنزل عليهم الكتاب، وتشمل عبارة أهل الكتاب أهل التوراة والإنجيل أي اليهود والنصارى.

وأن خطاب القرآن يوجه ويُعلم، فخطاب المؤمنين بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تكرر في القرآن في أكثر من مائة آية نزلت بالمدنية المنورة؛ لأن المؤمنين في المدينة أصبحوا كيانا ودولة ولهم علاقات مع المجتمعات الأخرى من غير المسلمين، فبعد صلح الحديبية مع المشركين، بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال الكتب إلى بقية الدول والمجتمعات.

وأشار إلى أن الله عز وجل خاطب نبيه في القرآن بخطاب «قل»، لافتا إلى أن أول الوحي الإلهي الذي نزل من الله عز وجل لنبيه كان {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} للدلالة على أنها دعوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتكليف  بإبلاغ كل من كانوا في فترة البعثة النبوية من أهل الكتاب وغيرهم.

كلمة سواء

وأوضح فضيلته أن «قل» هي بيان التكليف الرباني للنبي، فبعد صلح الحديبية بدأ صلى الله عليه وسلم يرسل الرسائل إلى أباطرة العالم وملوكها وأمرائها، ومنها رسالته الشهيرة إلى هرقل عظيم الروم فبعد أن قرأ في الرسالة: «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين» كتب في الرسالة «عليك إثم الأريسيين» وهي كلمة تعني العوام من مختلف الشعوب تحت حكم الملك المقصود بالرسالة، لأن الناس تتبع دين ملوكها في ذلك الوقت، ولا تزال تتأثر بدين وعقائد ملوكها ورؤسائها.

وتابع بأن دعوة الإسلام هي دعوة لأن يكون الناس جميعا «سواء» عبادا لله وليست دعوة استعمار ولا سيطرة بل كلمة سواء، أولها أن ندع الشرك وعبادة غير الله من مخلوقات، ثم إن الرسالة الخاتمة أكدت على ما أكدت عليه رسالات الرسل جميعا للناس والأقوام {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.

اجتناب الطاغوت

وقال إن الإسلام يتبع الحق ويجتنب الطاغوت، ويدعو إلى ألا يكون في نفس أي إنسان وممارساته وعقائده شريك لله عز وجل، فليس مع الله سبحانه إله، فالله واحد وهو الرحمن الرحيم. فإن الإسلام دعا كل الناس إلى توحيد الله عز وجل {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا*لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا}، مشيرا إلى ما جاء في كلام الله عز وجل عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام أن أول ما نطق به قوله {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}.

ونوه بأن الإسلام دعا إلى أن لا تكون هناك ربوبية من إنسان على آخر، فليس لأحد تميز على إخوانه من عباد الله {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}.

وفي الرواية الصحيحة أن عدي بن حاتم الطائي وفد بعد أن أسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان على دين النصرانية، وقد قال للنبي إن قومه لم يكونوا يعبدون الأحبار والرهبان، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم "ألم يكونوا يحرمون عليكم الحلال ويحلون لكم الحرام"، قال عدي بن حاتم: بلى، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم "فتلك عبادتكم لهم من دون الله".

وبيّن أن الإسلام لا يقر بالعبودية لغير الله عز وجل ببيان قوله سبحانه {الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}.

وختم الشيخ القرضاوي بالقول إن الدعوة الإسلامية شاملة للتوحيد ونبذ الشرك، فليس هناك ربوبية لغير الله، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أحدهم أن يقول هذا عبدي أو هذه أَمَتي، إنما هم إخوة، وإن الحرية الإنسانية الحقيقية تكون بالاستقامة والتزام أوامر الله سبحانه وتعالى، واجتناب نواهيه، وإن الحرية الحقيقية هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وإسلام زمام الحياة وأمورها إليه سبحانه وتعالى.