قال العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في درسه لليلة الثانية من ليالي رمضان عقب صلاة التراويح أن مجاهدة النفس من شروط تحقق الإيمان، وأن من يرغب بمتابعة الصالحات وتحريها في موسم رمضان عليه أن يداوم هذه الحال طوال أيام السنة.

وفي درسه بجامع الشيخة موزة بنت علي بن سعود آل ثاني، اختار فضيلته لحديثه الآية الكريمة من الجزء الثاني من سورة البقرة وهي قوله الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(البقرة:218)

وقال فضيلته في تفسير الآية إنه في ضوء هذه الآية وما قبلها { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ} (البقرة:217) أن رحمة الله عز وجل مطروحة للخلق كافة ومنها بعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوله "إنما أنا رحمة مهداة".

موضحاً أن التراحم بين أفراد المجتمع واجب وضرورة؛ لأن العذاب يخص والرحمة تعم الجميع مسلمين وغير مسلمين مستقيمين ومنحرفين؛ لذلك جاء وصف الله عز وجل لنفسه بأنه أرحم الراحمين.

الجهاد طريق رحمة الله

وبيّن أن هذا الشهر سباق نحو مرضاة الله عز وجل ومن يستحق رحمة الله عز وجل هم الذين آمنوا، وأن الإيمان هو المحرك والمغير لحياة الفرد وأسرته والمجتمع حوله نحو التراحم والتواصل والإحسان، وإلا فما معنى القول بالإيمان إن لم يحمل فضائل تغير الفرد والجماعة.

وأن الفرد حين يهاجر من حياة إلى حياة من مجتمع إلى مجتمع بعد صبره لمدة من الزمن، ولم يستقم له، ولم يستطع أن يمارس عقائده بحرية، وإن لم يكن المجتمع متغيراً نحو قيم الإسلام بتأثير هذا الفرد؛ فلا بد أنه هو من سيتأثر ويتغير.

لذلك لا بد من الهجرة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وهجرة الأنبياء من قبل مثال بيِّن على ضرورة الهجرة، وهو تغيير المكان الذين لا تقدر فيه أن تقيم الإسلام وتعبد الله وحده.

والآية تقول { الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (التوبة:20).. وإن بعد الهجرة متطلبات وأهمها الجهاد حيث اقترن به؛ فتغيير المكان وحده لا يكفي، وإنما تغيير حياة الإنسان باتجاهاته الفكرية والأخلاقية وعبر الجهاد بالمال والنفس.

وإن آية واحدة ذكرت الجهاد بالنفس قبل المال {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة:111) وإن هذا يرتبط بصدق المسلم في تغيير حياته ونفسه إلى الأفضل، وإن الآيات حثت على الصدق المتحقق بعد الهجرة والإيمان والجهاد.

فالإيمان يغير ويطهر، والهجرة تبين، والجهاد والتضحية تبين أيضاً، فما قيمة الماديات والذرية وسوى ذلك بميزان قدرة الفرد على إقامة دينه؛ فلا بد من تضحية حتى يكونوا ممن يرجون رحمة الله.

كما أن الرحمة وجبت بالنص القرآني {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (الأعراف:156) وهو سبحانه من يملك الرحمة والمغفرة الواسعة ولا يبخل برحمته ومغفرته عن خلق من خلقه إذا كانوا أهلاً لتلك الرحمة والمغفرة. أما من يؤذون الناس بفكرهم وأيديهم وألسنتهم لا يستحقون رحمة الرحمن الرحيم.

ويختم القرضاوي بالقول: رمضان موسم الطاعة؛ حيث ينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. ويدعو الله عز وجل بالعون والخير لما فيه نفع الأمة الإسلامية جمعاء.