الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...
يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أجواء انعقاد قمة الدول الإسلامية في المدينة التركية إسطنبول الخميس الموافق 14 أبريل 2016م باهتمام كبير، نظراً للمرحلة الفارقة التي تمر بها الأمة الإسلامية منذ سنوات وحتى الآن، وما نتج عنها من تغيرات وأحداث في الدول الإسلامية، وكذلك التغيرات الإقليمية والعالمية التي تمثل تحدياً كبيراً للأمة في وجه محاولاتها لأن تضع لنفسها موطئ قدم رئيسي لا يمكن تجاهله في المنظومة الدولية، التي تبدو وكأنها يعاد تشكيلها من جديد، وبخاصة هذه الأيام.
ويرى الاتحاد أن التحدي الأكبر هو في إيجاد إرادة لدى الأمة حكاماً ومحكومين لتجاوز مرحلة العمل وفق المصلحة الخاصة الزائلة، والانتقال إلى مرحلة إعلاء المصلحة العامة للشعوب والأوطان، وعدم تجاوز الجماهير الهادرة في جميع البلدان، أو اتخاذ قرارات مصيرية في حياتها الواقعية أو المستقبلية في غيبة منها، فذلك ما يعمق الفجوة بين الحاكم والمحكوم، ومن ثم تحدث الاختلافات والتنازع وتتفرق الأمة، ثم تفشل وتذهب ريحها.
ولهذا فإن الاتحاد يثمن استلام الجمهورية التركية رئاسة القمة الإسلامية لفترتها المقبلة، ويدعو لها بالتوفيق والسداد، ولسائر بلاد الإسلام والمسلمين، بل وللعالم أجمع، ويدعوها إلى تبني تحويل شعار هذه القمة "الوحدة والتضامن" إلى واقع فعلي تمارسه جميع الدول الإسلامية، وتعيشه وتلمسه الشعوب، عبر تبني أحلامها وآمالها، وإزالة أي عوائق في طريق تحقيق تلك الوحدة وهذا التضامن المنشودين.
كما يطالب الاتحاد القمة الإسلامية إلى تبني آمال الشعوب الطامحة إلى الحرية والتغيير والتجديد، فقد خلق الله عز وجل الناس أحراراً وفطرهم على ذلك، وأكد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للمسلمين أمر دينهم، فإن كان الدين بحاجة إلى تجديد مستمر وتذكير للناس بمبادئه وقيمه وأسسه ليتفاعلوا مع تغيرات الزمن والعصور، فمن باب أولى أن أمور دنيانا تحتاج إلى تغيير وتجديد وتطوير مستمر، وإلا كان البديل هو الجمود والتحجر، ثم يتبعهم التشدد والتطرف والتخلف والتراجع وانتشار الظلم والقهر والاستبداد، المنبوذين في الشرع الإسلامي الحنيف.
ويدعو الاتحاد القادة المجتمعين إلى تفعيل التعاون الحقيقي فيما بين دولهم، بل والتكامل كذلك، وإزالة العوائق السياسية والاقتصادية البينية وغيرهما، حيث التعاون والتكامل في المجالات المختلفة من شأنه تقوية الجميع معاً، والاستفادة من الموارد لدى كل دولة، بما يجعل اتحاد الدول الإسلامية اتحاداً حقيقياً يقدم الخير لأوطانه ومواطنيه، وكذلك للعالم أجمع، حيث رسالة الإسلام الأساسية هي تعمير الأرض ونشر الخير بين الناس جميعاً دون تفرقة ولا تهميش ولا إقصاء ولا تمييز لأحد على أحد.
ويحث الاتحاد القمة الإسلامية إلى إدراج قضايا الإرهاب والاستبداد على جدول أعمال القمة، والبحث في الأسباب الحقيقية لهما، وما هي طرق العلاج الفعالة، لإزالة آثارهم السلبية على الإنسان والكون. فكما أن هناك إرهاباً تمارسه تنظيمات مثل داعش وغيرها، فإن هناك كيانات تمارس إرهاباً منظماً أمام مرأى ومسمع العالم مثل الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين الحبيبة، وهناك أنظمة تنتهج الإرهاب والانقلابات كأسلوب حياة لها ضد شعبها ووطنها، فالاتحاد لا يرى فصلاً بين الإرهاب والاستبداد حيث بينهما ارتباطاً وثيقاً.
كما يدعو الاتحاد القمة إلى ممارسة ضغط دولي لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تتبناها بعض الدول والمنظمات الغربية، لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ويستخدمها البعض لتحقيق أغراض عنصرية ضد أمتنا الإسلامية.
وفي الختام، يطالب الاتحاد من القادة والحكام المجتمعين غداً في اسطنبول بتركيا بإعطاء الأولوية للقضايا الإسلامية التي أصبحت جميعها عاجلة وهامة، وبخاصة في فلسطين والعراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والصومال وبنجلاديش وميانمار وكشمير وأفغانستان وغيرهم، وكذلك قضايا الأقليات المسلمة حول العالم، بهدف الخروج بموقف أممي موحد تجاهها يتبنى آمال وطموحات شعوب تلك الدول، ويعيد إليهم الأمل في ارتباط أممي يقوم على حل مشاكلهم ويدعم آمالهم، ويسعى لإزالة آلامهم.
يقول الله عز وجل: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا" (آل عمران:103)
وقال تعالى "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال:46)
الأمين العام رئيس الاتحاد
أ. د. علي محيي الدين القره داغي أ. د. يوسف القرضاوي