بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فقد تابعت منظمة النصرة العالمية ما تناقلته وكالات الأنباء والقنوات الفضائية الإخبارية بشأن الإساءات والبذاءات التي بثتها القناة العاشرة في الكيان الصهيوني المحتل وتناولت فيها بالسخرية والامتهان نبي الله عيسى المسيح عليه السلام وأمه مريم الصديقة الطاهرة :{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ثم أتبعت القناة ذلك بإساءة أشد بذاءة وأكثر دناءة موجهة إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن المنظمة تدين هذه الجريمة الشنيعة، وتستنكر هذه الإساءات القبيحة، وتؤكد أن هذا التطاول جرم ظاهر وعدوان سافر على عقيدة المسلمين الذين يؤمنون بجميع الرسل والأنبياء ويوقرونهم ويجرمون الإساءة لأي منهم قال تعالى:

{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

والمنظمة تشير إلى أن هذه الإساءات يشهد لها تاريخ اليهود عبر العصور المختلفة وقد حصلت منهم مع كثير من الرسل والأنبياء :

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} .

والآن استمرأ الصهاينة ممارسة العدوان والإجرام في ظل الضعف والتخاذل العربي والإسلامي في مواجهة الصلف الصهيوني، فالصهاينة لم تقتصر إساءتهم على السخرية والاستهزاء في وسائل الإعلام بل قاموا بالاستيلاء والاعتداء على الأوقاف الإسلامية والمسيحية فضلاً عن عدوانهم المباشر على دور العبادة فمن حصار كنيسة المهد ومهاجمتها، إلى قصف وتدمير عشرات المساجد في غزة، وهذا كله دليل واضح على ممارسات منهجية في الاستهانة بالأديان والمقدسات.

إن هذه الفعلة الشنعاء لا تمت إلى حرية التعبير بصلة فكل أحد يمكن أن يفصح عن معتقده ويعبر عن رأيه ويعلن مخالفته لغيره لكن التطاول والاستهزاء والتحقير والازدراء ليس من حرية التعبير في شيء وحقيقته هي الانحطاط الخلقي والنهج العنصري، والمنظمة تؤكد أن هذه الممارسات تنشر الكراهية وتغذي مشاعر العداء وتؤجج روح الصراع وتذكي نار الحرب في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن السلام والتعايش بين الأمم والحوار بين الحضارات، وهذه الممارسات هي المولِّد الأساسي للعنف والإرهاب الذي تزيده جرائم الحرب الإرهابية التي يقوم بها الكيان الصهيوني دون أي اعتبار للقوانين الدوليةـ ودون أي محاسبة أو ردع مطلقاً وصدق الله القائل : {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

وتلفت المنظمة النظر إلى أن الآلة الإعلامية والسياسية الصهيونية تشن حرباً شعواء على معاداة السامية وإنكار المحرقة اليهودية أو التشكيك فيها أو في أي معلومة من معلوماتها حتى لو كان ذلك مبنياً على وجهة نظر علمية من المؤرخين والباحثين، وقد سنت لها الأمم المتحدة والدول الكبرى التشريعات التي تجرم وتعاقب من يخوض فيها، وبعد ذلك نجد الصمت الدولي المطبق على كل هذه الجرائم الصهيونية الواضحة المعلنة .

ومن هنا فإن منظمة النصرة تضع الدول الكبرى الراعية لما يسمى مسيرة السلام أمام مصداقيتها وتؤكد أنه لابد للجنة الرباعية – الممثلة لأمريكا وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة - أن تعلن مواقف واضحة وصريحة تدين هذه الإساءات والممارسات وتجرمها فهي أكبر من الخلافات السياسية وأعمق من العمليات العسكرية لأنها تتعلق بأديان وعقائد وهوية شعوب المنطقة، وإن الصمت والتجاهل يكرس انحيازها ويؤكد سياستها في الكيل بمكيالين ويعلن بوضوح أن الكيان الصهيوني فوق القانون والمساءلة والمحاسبة، وهذه المواقف هي السبب الجوهري لاستمرار الإجرام الصهيوني الشامل.

إن منظمة النصرة العالمية وهي تدين وتجرم هذه الإساءات تهيب بالمجتمع الدولي ودوله ومؤسساته الحقوقية والمدنية والعقلاء والحكماء أن يأخذوا على أيدي السفهاء وأن تكون لهم مواقف صارمة تتناسب ومقام الأنبياء ومكانة الديانات في العالم، وتجدد المنظمة الدعوة إلى إصدار قوانين دولية تجرم الإساءة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما توجه المنظمة النداء للحكومات العربية خاصة لتنتصر للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وتغار على دينها وكرامتها، ولا يُقبل بحال ألا يُسمع لها صوت ولا يكون لها موقف، سيما مع استمرار الدعوات لمواصلة مفاوضات السلام مع هذا الكيان العنصري الإجرامي.

وتتقدم المنظمة بالشكر لكل المنظمات والشخصيات التي أدانت هذه الإساءات، وتدعو المسلمين جميعاً إلى التعبير الإيجابي عن محبتهم ونصرتهم لنبيهم باتباع سنته قولاً وفعلاً، ومن سنته الحرص على الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف، ومن هديه السمو الأخلاقي والرقي السلوكي، ومن نهجه التحصيل العلمي والبناء الاجتماعي والتنمية الشاملة، ومن هنا ندعو للمزيد من التعرف على سيرته ونشر تعليمها في المدارس والجامعات وعبر وسائل الإعلام، وتعتبر المنظمة هذه الأحداث مناسبة لدعوة المخلصين والقادرين إلى إطلاق قناة فضائية باللغة العبرية تكشف الحقائق وتفند الأساطير بالأدلة والبراهين لهذا الكيان الإجرامي الغاصب .

وقـد عـقـدت المنظمة مؤتمراً صحفيا بمشاركـة رئيسها الشيخ د. يوسف القرضاوي ، ونائبه الشيـخ د. سلمان العودة، وأمينها العام د. سالم الشمري، ونائبه د. علي بادحدح، وأوضحت جميع الملابسات والدلالات المتعلقة بذلك، وستواصل المنظمة من خلال جهود أعضائها في الدول المختلفة اتخاذ الخطوات الممكنة لمواجهة هذه الإساءات مع اليقين بأن مقام الأنبياء أرفع وأشرف من أن تنال منه هذه السفاهات وصدق الله القائل {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

رئيس المنظمة  الأمين العام للمنظمة

أ. د. يوسف القرضاوي د. سالم بن طعمه الشمري