روان ويليامز

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد، فقد تلقى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدهشة بالغة تلك الهجمة الشرسة التي شُنَّت وما زالت تُشَنّ على رأس الكنيسة الإنجيلية الأسقف روان ويليامز أسقف كانتربري، لمجرد أنه أعرب عن رأيه في ضرورة إعطاء المواطنين المسلمين في بريطانيا بعضًا من الحرية في اتباع شريعتهم في بعض شؤون الأحوال الشخصية.

والذي يلفت النظر، أن تحلّ هذه الهجمة بما واكبها من إسفافٍ في التعبير عن الرأي المخالف، في وقتٍ يتاح فيه لمن هبّ ودبّ أن يستهين بمشاعر الناس وعقائدهم بحجة حرية الرأي، ويهين مقدّسات مئات الملايين من البشر تحت مظلّة حرية التعبير، ويتحجج بحقوق الإنسان في وقت تُنْتَهَك فيه حقوق الإنسان كلّها وتُسْتَباح.

ويودُّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن يذكّر العالم كلّه، بأن الدولة الإسلامية قد أتاحت لجميع مواطنيها من أتباع الديانات الأخرى، منذ إنشائها على عهد رسول الله r، وعلى مدى مئات السنين، أن يمارسوا النُظُم المتعلقة بأحوالهم الشخصية كما تنصّ عليها دياناتهم على اختلافها، بكل حرية وبكل احترام، على الرغم من مناقضاتها في كثير من الأحوال للقوانين السائدة في الدولة الإسلامية؛ بل إن الدولة الإسلامية العثمانية قد نظّمت ذلك بقانون خاص، حتى كان يتاح لهؤلاء المواطنين من غير المسلمين أن يتقاضوا أمام محاكمهم الخاصة في كثير من الأحوال.

والطريف أن يُطلق على هذه العهود المشرقة اسم القرون الوسطى وعصور التخلف، ثم يُقال عن البلدان التي يُهاجم فيها رأس الكنيسة لمجرّد إبداء رأيه في أمر من الأمور إنها البلدان المتقدمة والمتطورة التي تقدم المثال الذي ينبغي أن يُحتذى على درب الحضارة والتقدم.

إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في الوقت الذي يستنكر فيه هذه المواقف المخزية، ليشُد على يد أسقف كانتربري ويُشيد بموقفه المُنْصف الحر، ويدعو أتباع الديانات الأخرى وغيرهم إلى أن يسلكوا سبيل الإنصاف الذي يدعو إليه كل دين صحيح، وكل ضمير حيّ، وأن يترفعوا عن مثل تلك المواقف المتخلّفة التي هاجم أصحابها كبير الأساقفة، وأن يتنادوا إلى كلمةٍ سواء، تُصان بموجبها حقوق الإنسان في التعبير الحرّ في حدود ما لا يمسّ حقوق الآخرين ولا مقدّساتهم ولا معتقداتهم: ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(.

الأمين العام

أ.د. محمد سليم العوَّا