حجاج فلسطينيون يفترشون الأرض

أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً عاجلاً بشأن حجاج غزة الممنوعين من العودة لديارهم جاء فيه: " الحمد لله الذي جعل الحج ركنًا من أركان الإسلام، باقيًا من دين إبراهيم عليه السلام، إذ أمره سبحانه بقوله: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} [الحج:27]، وقال تبارك اسمه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران:97]. والصلاة والسلام على أفضل من حج البيت الحرام، فخرج من بيته لا يقصد إلا إياه وعاد إليه آمنًا مطمئنًا بعد أن أعلن حرمة الدماء والأعراض والأموال، وأن رب الناس واحد وأباهم واحد.

فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتابع بقلق شديد أحوال الحجاج من أهل فلسطين، وبوجه خاص من أهل قطاع غزة، العالقين على الحدود المصرية الفلسطينية، والمحصورين في البحر على ظهر العبارة شهرزاد التي لم تدخل حتى الآن ميناء نويبع المصري. وهؤلاء الحجاج جميعًا يقضون أيامًا بالغة الصعوبة، شديدة القسوة، في برد الشتاء القارس على سطح الماء أو في الصحراء لا ترحمهم شمس النهار ولا تُجِنُّهم من قسوة المناخ ظلمة الليل.

وقد تلقت الأمانة العامة بمزيد من الانزعاج أخبار نفاد المال والزاد من هؤلاء الحجاج، ونفاد أدوية المرضى، ومعاناة كبار السن من الرجال والنساء وهم عدد لا يستهان به منهم.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتوجه باسم أعضائه في جميع أنحاء العالم، وباسم رئيسه ونوابه وأعضاء مجلس أمنائه، إلى الحكومة المصرية بما عُهِد في مصر من رعاية صادقة لحقوق أهل فلسطين، ومن حرص على أمنها القومي الذي يبدأ في جانبه الشرقي من المحافظة على الأمن والاستقرار في قطاع غزة؛

ويتوجه إلى الحكومات العربية والإسلامية كافة، وإلى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإلى علماء الأمة وقادة الرأي فيها أن يعملوا كل ما في وسعهم لإنهاء معاناة هؤلاء الحجاج وإعادتهم إلى بلادهم وبيوتهم، وألا يكون أحد من أهل الإيمان عونًا للعدو الصهيوني في إبقاء هؤلاء الحجاج مبعدين عن دورهم وأهليهم وأبنائهم.

ويذكر الاتحاد جميع المعنيين بهذا الأمر بأن القعود عن نصرة قضية هؤلاء الحجاج هو مشاركة مباشرة في إخراجهم من ديارهم، ومظاهرة لا مراء فيها على هذا الإخراج وكلاهما غير جائز شرعًا. ويذّكرهم، أيضًا، بأن الإصرار على عودتهم من خلال معبر غير معبر رفح يعرض عددًا كبيرًا منهم لأن يصبحوا فريسة سهلة للعدو الصهيوني الذي لم ينل منهم حتى الآن. ولا يجوز للمسلم أو العربي أن يكون عونًا، ولو بطريق غير مباشر، لهذا العدو على أهل فلسطين المرابطين البواسل. فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» [متفق عليه عن عبد الله بن عمر].

ويهيب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برجال المال، لاسيما منهم أصحاب مصانع الأغذية والأدوية، أن يقدموا إلى هؤلاء الحجاج، في عرض البحر أو في متاهة الصحراء، ما يكفيهم من غذاء ودواء حتى لا تجتمع عليهم آفات الجوع والمرض مع آفة القهر بمنعهم من عودتهم إلى ديارهم.

إن هذه السابقة الخطيرة في التعامل مع حجاج بيت الله الحرام هي مسؤولية كل قادر على إنهاء معاناة هؤلاء الحجاج الكرام وعذابهم بكل وسيلة ممكنة بدءً من الكلمة الصادقة وانتهاءً بالعمل الفعال.

وأمل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كبير في أن يكون للحكومة المصرية، وللقادرين من الشعب المصري الكريم، اليد الطولى في العمل على تيسير عودة حجاج فلسطين، وقطاع غزة بوجه خاص، إلى ديارهم، وفي تقديم كل عون ممكن لهم إلى أن تنتهي محنتهم في أقرب وقت بإذن الله.

ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل حج كلِّ من أمَّ بيته، وأن يردهم سالمين إلى دورهم، وأن يكتب لإخواننا من حجاج فلسطين العالقين على الحدود أجر المشقتين: مشقة الحج ومشقة الابتلاء بالمنع من العودة إلى دورهم وأهليهم.

وحسبنا، وحسبهم، الله ونعم الوكيل.

أ.د. محمد سليم العوَّا أ.د. يوسف القرضاوي

الأمين العام رئيس الاتحاد