بسم الله الرحمن الرحيم

إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي

حفظه الله ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

تفضلت برسالتكم الغراء شاكرا ممتنا؛ لما فيها من عواطف الصدق والإخاء تجاه شعبكم في الجزائر، على إثر ما ارتكبته الفئة الضالة من جرم وإثم في حق الأبرياء، ولما حوته من كنوز القول، ودُرر النصيحة بما أنزل الحق، وبما هدى به الأقوام سيد الأنام عليه الصلاة والسلام إلى سبل الرشد والمحبة، والتعايش والسلام.

لقد استزدت انتصاحا برأيكم السديد، وزدت ثباتا على مبدأ المصالحة والمؤاخاة بين الناس، والدفع بالحسنى، وإشاعة السلم، والاجتهاد في طريق العدل والمساواة، والعمل على إرساء أسس نهضة اقتصادية تحرر الأمة من بؤس الفاقة، وربقة الدائنين، فتزكى أعمالها، وتنهض على نهج قيم خالٍ من الشطط والتطرف والغلو، محصن ضد التيارات الهدامة، ومظاهر الاستلاف والتفسخ.

ذلك دأبنا فضيلة الشيخ والأخ الكريم بعد أن أمِننا الشعب على أرواحه وأرزاقه ومعتقده، وأيدنا في مسيرة الوئام والمصالحة الوطنية كضامن لحقن الدماء، ونبذ الفرقة والشنآن، وجمع الناس على كلمة سواء.

ولن نستنكف بإذن الله تعالى عن سبيل المصالحة، مهما عتت نفوس البعض وتحجرت، ومهما صُمّت آذانهم عن سماع قول الحق واليقين؛ لاعتقادي الراسخ بأن هؤلاء المتطرفين والمغالين من تكفيريين ومجرمين، ومن يمولهم ويؤول لهم، ويشرع بغير ما أنزل الله وبغير ما سنّ الرسول، وبغير ما اتفق عليه العلماء التقاة، هم على ضلال يخسئون، ويكون مآلهم الخسر والهزيمة.

لقد أجابت رسالتكم عن هؤلاء، وأفحمت دعاواهم، وعرتهم من عللهم وأسبابهم وأهدافهم، فذكرتم من الآيات والأحاديث والأمثلة ما يقوض بنيانهم القائم على الضلال، كأنه عهن منفوش، وما يبطل هرطقاتهم، ويبعد انحرافاتهم.

وتلك لعمري من أنبل وأعظم مهام العلماء والفقهاء والوعاظ في هذا الوقت الذي انبرى فيه رهط من غلاة القوم باسم الدين، من أصحاب "الفريضة الغائبة" على حد زعمهم، ففتنوا شبابا على غير وعيهم، وألّبوهم على شعوبهم بفتاوى كاذبة وآراء "خارجية" لا قِبَل لديننا الحنيف بها، ولا لشريعتنا السمحة الغراء.

فغدوا وبالا ونقمة وعارا على ديننا وأمتنا، ففسحوا بذلك للمتربصين بديننا المجال، وهيئوا لهم الذرائع لوسم أمة الإسلام بالإرهاب وجريرة التخلف والعنف.

وإن لكم فضيلة الشيخ باعا وتاريخا في رأب الصدع بين المسلمين، وفي درء الأخطار والمكاره عنهم، من منطلق غيرتكم وحرصكم على حرمة دماء أبناء أمة لا إله إلا الله التي ما فتئتم تدافعون عن امتدادها عن حرمة أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم في كافة أصقاع المعمورة بقوة حجة واقتدار في بذلكم لعظيم الجهد في مواجهة تيارات من الأفكار الشاذة التي يبتدعها هؤلاء وهؤلاء؛ حتى يشوهوا تعاليم ديننا السمحة التي ظلت طوال التاريخ تتسم بالوسطية والاعتدال، ويضللوا شبابا من أمتنا الإسلامية، ويروّعوا الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين بادعاء ما يسمونه جهادا، والجهاد منهم براء.

فضيلة الشيخ والأخ الكريم

أما وقد شفاكم الله، ومنَّ عليكم بالصحة والعافية والهناء، فما ذلك إلا من فضل الله ورعايته، فأنتم جديرون بكل محبة وتقدير ورعاية وإكبار، فلكم في قلوب الجزائريين والجزائريات مكانة الصدارة بما منَّ الله به عليكم من خلق حميد وعلم غزير وورع وتقوى، وبما تحليتم به طوال الحياة من وفاء لخدمة رسالة الإسلام بالوعظ والإرشاد، وبالإفتاء والاجتهاد، وبالتأليف ونصح العباد.

أغتنم أفضال هذا الشهر المبارك شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، مبتهلا إلى الله أن يديم عليكم وعلينا نعمه، ويهدينا سواء السبيل، ويؤمن لأمتنا أسباب الرقي والازدهار، والمحبة والسلام.

وتفضلوا سماحة الشيخ والأخ الكريم بقبول دائم المودة والتقدير والاحترام.

أخوكم

عبد العزيز بوتفليقة