سيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

حفظه الله ورعاه، وسدد في طريق الخير خطاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

كنت أنوي بعد عودتي إلى قطر أن أكتب إليكم رسالة شكر وامتنان على موقفكم الكريم نحوي أثناء مرضي حتى عولجت وشفيت بحمد الله.

ولكن المأساة التي وقعت، والجريمة النكراء التي حدثت في مدينة (باتنة)، ومرفأ (دلس)، اضطرتني أن تكون رسالتي تعزية ومواساة في ضحايا الجريمة، والشهداء المظلومين الذين سقطوا صرعى بلا جناية ولا جريرة.

سيادة الرئيس: إنني أشد على أيديكم مؤيدا ومساندا: إصراركم على موقفكم الثابت من الدعوة إلى السلم والمصالحة العامة، وطي صفحة الماضي السوداء، وجمع أبناء الجزائر تحت راية واحدة، هي راية العمل للتقدم والبناء. وكم سرني قولكم في عزم وصدق: لا سبيل لأبناء الجزائر إلا أن يتسامحوا ويتصالحوا، وإلا أن يتحابوا ويتوحدوا.

كما أؤيدكم في موقفكم من رفض التطرف بكل صوره وأنواعه، سواء كان تطرفا علمانيا أم تطرفا إسلاميا.

ولا يمكن أن تتقدم أمتنا وتحقق مشروعها الحضاري بمنهج التطرف والغلو، بل بمنهج الوسطية والاعتدال، الذي يجعل منها أمة وسطا، والذي يجسده قوله تعالى: {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}.

وإني لأتساءل: كيف يزعم هؤلاء - الذين يسفكون دماء أهليهم - أنهم إسلاميون، وهم يرفضون الدعوة إلى المسالمة والمصالحة، في حين يأمر القرآن الكريم بقبول الدعوة إلى المسالمة من الحربيين المشركين الذين قاتلوا المسلمين، وبدأوهم بالعدوان، فيقول تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

فكيف إذا كانت هذه الدعوة للمسالمة بين أهل القبلة بعضهم وبعض؟

وكيف يستبيح هؤلاء دماء الأبرياء بتفجيراتهم الهمجية، وقد حرم الله تعالى قتل النفس إلا بالحق، وقرر القرآن مع كتب السماء: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}.

وقال عليه الصلاة والسلام: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق".

وأنب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد - وهو حبه وابن حبه - على قتله رجلا مشركا في المعركة، وقد قال: لا إله إلا الله. وقال له: "كيف قتلته وقد قال: لا إله إلا الله؟". قال: إنما قالها تعوذا من السيف! قال: "هلا شققت عن قلبه؟! كيف لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟". وهؤلاء يتعمدون قتل أهل (لا إله إلا الله) بالعشرات والمئات ولا يبالون.

فمن أين يستقي هؤلاء أفكارهم السوداء، التي تستحل قتل الناس بالجملة، والرسول الكريم يحرم أن يشير المسلم إلى أخيه بالسلاح، مجرد الإشارة محرم.

بل يحرم ترويع الناس وإخافتهم بأدنى شيء، ولو كان على سبيل المزاح، وحين نزع مسلم سهما من كنانة أخيه وهو نائم مداعبا له، ففزع من نومه مرتاعا، فقال: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما". فكيف بمن روع الآلاف والملايين بتفجيراته الإجرامية؟

يقول هؤلاء: إنهم إسلاميون!! فإلى أي مذهب من مذاهب الإسلام ينتسبون؟ وإلى أي إمام من أئمته ينتمون؟

لا قدوة لهم إلا (الخوارج) الذين استحلوا دماء من عداهم من المسلمين وأموالهم، حتى استحلوا دم ابن الإسلام البكر، فارس الإسلام، وحكيم الأمة علي بن أبي طالب! رضي الله عنه.

هؤلاء الخوارج قد صحت الأحاديث في ذمهم من عشرة أوجه كما قال الإمام أحمد، وحكم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم، ولكنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، أي لا يؤثر في عقولهم بحيث يحسنون فهمه، ويضعون آياته في مواضعها.

إنني أدعو هؤلاء الشاردين أن يثوبوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم، ويراجعوا دينهم. وقد كان في مصر إخوان لهم - وهم الجماعة الإسلامية - حملوا السلاح على قومهم سنوات طويلة، ثم هداهم الله فراجعوا أنفسهم، وأصدروا سلسلة من الكتب بلغت اثنى عشر كتابا، سموها (المراجعات) خطأوا فيها أنفسهم، وأعلنوا بصراحة وشجاعة يحمدون عليها تراجعهم عن مواقفهم. وفقا للأدلة التي وجدوها. وعسى أبناؤنا هؤلاء أن يستدركوا على أنفسهم قبل أن يفوت الأوان.

أما أنت أيها الرئيس الداعي إلى السلم، الحريص على المصالحة الوطنية، وتحقيق الوئام العام بين أبناء البلد الواحد، فسر في طريقك، وامض في إصلاحك، والله معك، والشعب من ورائك، وأمة العرب والإسلام تشد أزرك، ولن يتِرك الله عملك، ولن يخيب سعيك، كما قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

أما هذه القلة الشاردة، فإما أن تفيق وتتوب، وتنضم إلى شعبها، وإما أن تزول وتنقرض، كما انقرضت جماعات قبلها، دمغ الحق باطلها، ومحا الرشد عنها، وفقا لسنة الله في الخلق: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.

وفقكم الله وسدد خطاكم وثبت على الحق أقدامكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم

يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين