أعضاء من المجلس الأوروبي للإفتاء

سراييفو- أكد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أن مفهوم المواطنة بالنسبة للمسلمين في الغرب لا يخالف الولاء الشرعي.

وِشدد المجلس على المسلم في غير ديار الإسلام الالتزام بمقتضيات المواطنة، كالدفاع عنها إذا اعتدي عليها، موضحا أن الأصل أن يكون المسلمون في مقدمة من يدفع الضرر عن بلده، كما لا يحل له أن يشارك في أي اعتداء تقوم به بلده على أي بلد آخر سواء كان إسلامياً أو لا.

ولفت المجلس إلى أن من واجبات المواطنة التعايش واحترام الآخر، والتزام القيم الأخلاقية كالعدالة والتعاون على الخير، والنصح من خلال القوانين السائدة لإصلاح ما يضر البلاد أو العباد.

جاء ذلك في قرارات الجلسة الختامية للدورة السابعة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والتي عقدت بمدينة سراييفوا عاصمة البوسنة في الفترة من 28 ربيع الآخر - 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 15-19 أيار (مايو) 2007م.

إشكالية الاندماج

وعن إشكالية اندماج المسلمين داخل المجتمعات الغربية غير المسلمة أوضح المجلس في قراراته أن سياسات "الاندماج" المتبعة في الدول الأوروبية تتراوح بين اتجاهين:

أولهما اتجاه يغلّب جانب الانصهار في المجتمع ولو أدّى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة، والثاني اتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية.

وقد أكد المجلس أن الاتجاه الثاني هو الذي يعبّر عن الاندماج الإيجابي، الذي يجب أن تحدد مقتضياته بوضوح.. مشددا على أن مقتضيات اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية مسؤولية مشتركة بين المسلمين أفراداً ومؤسسات من جانب، وبقية المجتمع الأوروبي من جانب آخر.

وقد وضع المجلس مجموعة من الأسس عدها أهم مقتضيات الاندماج التي تُطلب من المسلمين، ولا حرج فيها عليهم، بل إن الإسلام يحث عليها، حسب نص القرار.. وهي ما يلي:

أ - ضرورة معرفة لغة المجتمع الأوروبي وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعاً لذلك بالقوانين العامة، في ضوء قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" [المائدة: 1].

ب - المشاركة في شؤون المجتمع والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بالتوجيه القرآني: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" [الحج: 77].

ج - العمل على الخروج من وضع البطالة؛ ليكون المسلم فاعلاً منتجاً يكفي نفسه وينفع غيره، عملاً بالهدي النبوي الشريف: "اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة" (متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).

كذلك أكد المجلس على مقتضيات أخرى للاندماج لابد للمجتمع أن يحققها وهي:

أ - العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها حق العمل وضمان تكافؤ الفرص.

ب - مقاومة مظاهر العنصرية والحدّ من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام، وخصوصاً في مجال الإعلام.

ج - تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.

ولتحقيق الاندماج المتوازن دعا المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.

كما دعا المجتمعات الأوروبية، وخصوصاً الهيئات المعنية بقضية الاندماج، إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير السبل المحققة له، بما يفيد المجتمع ويدعم استقراره وازدهاره، وبما يمكّن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية الأوروبية.

ولأهمية قضية الاندماج للمسلمين في الغرب فقد قرر المجلس تشكيل لجنة من أعضائه لمتابعة ملف الاندماج سواء للمسلمين أم للجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.

إثبات الأهلة

ولأن قضية إثبات الأهلة وما يترتب عليها من أداء للعبادات تمثل أهيمة قصوى خاصة لمسلمي أوروبا فقد أكد المجلس فيها على ضرورة احترام ما توصل إليه القطعي من علوم الحسابات الفلكية، وأوصى المجلس أعضاءه وأئمة المساجد وعلماء الشريعة في المجتمعات الإسلامية وغيرها بالعمل على ترسيخ تلك الثقافة.

وأكد المجلس كذلك على أنه سيصدر تقويماً سنوياً يحدد بداية الشهور القمرية ونهايتها استناداً إلى هذا القرار.

وقد تضمن البيان الختامي أيضا مجموعة من الفتاوى التي وردت إلى المجلس، وتضمن أيضا توصيات ومقترحات المجلس لمسلمي أوربا وكذا لأصحاب القرار ومؤسسات المجتمع المدني.