الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

(وبعد)

فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتابع بمنتهى الاهتمام الجهود المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية بجمع الإخوة الفلسطينيين من فتح وحماس للتوصل إلى حل للمأزق المدمر الذي تمر به القضية الفلسطينية، وللتوصل إلى حقن الدم الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الكلمة، وتوحد الصف، وتعين على فك الحصار المفروض على أهلنا في فلسطين منذ انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة.

ويناشد الاتحاد الإخوة الفلسطينيين المجتمعين في مكة المكرمة أن يستلهموا حرمة المكان وبركاته، وأن يستحضروا عظمة الله، الذي يجتمعون في حرمه، ومسؤوليتهم تجاه الشعب الفلسطيني، ووحدة عدوهم الصهيوني، الذي يستفيد أعظم الاستفادة من فرقتهم.. لكي يكون عملهم لتحقيق ما اجتمعوا من أجله خالصا لوجه الله تعالى، ثم لوجه الوطن.

وليتذكروا قول ربنا سبحانه: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:114]، وقوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران:103]، {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران:105]، {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:46].

فهذه الأوامر والنواهي القرآنية المباركة هي الهادية إلى الطريق الصحيح، الذي يخرج شعب فلسطين العزيز من محنته، ويقضي على الفتنة بين أبنائه، ويبرئ ذمة الذين تحملوا المسؤولية، ويشجعوا سائر القوى على الوقوف معهم في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يؤكد على الإخوة الملتقين بجوار البيت الحرام من الفريقين: أن هذه هي فرصتهم الأخيرة، فلا يضيعوها، وعليهم أن ينسوا تلك الصفحات السوداء الدامية، بما حملت من مآسي، وما ارتكب فيها من أخطاء أو خطايا، سيحاسب الله أصحابها على نياتهم يوم تبلى السرائر، وأن يبدأوا صفحة جديدة بقلوب صافية، ونيات صالحة، وعزائم صادقة، يرجع الجميع فيها إلى ربهم وإلى رشدهم، وإلى أنفسهم، فيعرف كل منهم حق أخيه عليه، وحق الوطن عليه، وحق الشعب الصابر المرابط المضحي عليه.

كما يذكِّر الاتحاد الجميع بما لا يجوز أن ينسى أبدا: دماء الشهداء الذين بذلوا أرواحهم، ومعاناة الأسرى والسجناء الذين فقدوا حريتهم، وحقوق اليتامى والأرامل والثكالى الذين فقدوا عائليهم، وآلام الجرحى والمصابين والمعُوقين الذين ابتلوا في أنفسهم، وملايين المشردين في الأرض التائقين للعودة إلى وطنهم.

كل هؤلاء ينادون الجميع: أن يتقوا الله في وطنهم وشعبهم، وأن يتفقوا ولا يختلفوا، وأن يصطلحوا ولا يتخاصموا، وأن يتقاربوا ولا يتباعدوا، وأن ينتصروا على أهواء أنفسهم، ولا يستجيبوا لكيد الكائدين الذين يمكرون بهم، ويريدون أن يضربوا بعضهم ببعض، وأن يقفوا في معركة تحرير الوطن المحتل صفا واحدا، متراصّا، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}[الصف:4].

على الجميع أن يغيروا صفحة بصفحة، وأن يقرأوا قوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}[المائدة:95].

نسأل الله أن يوفق جهود المخلصين إلى ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين.

الأمين العام للاتحاد رئيس الاتحاد

أ.د. محمد سليم العوا أ.د. يوسف القرضاوي