الحمد لله القائل في محكم كتابه: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( [الإسراء: 1].

والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «لا تُشَدُ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» [متفق عليه].

وبعد:

فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتابع ببالغ القلق والأسى ما يجري في القدس الشريف من تهويد ، وما تقوم به جرافات دولة الاحتلال من هدم سور خشبي وبعض المنشآت قرب حائط البراق بالحرم القدسي الشريف مما قد يؤثر على أساس الحرم نفسه ، في الوقت الذي يتقاتل فيه الفلسطينيون بعضهم ضد بعض ، وتبغي فئة منهم على أخرى برغم نداءات العلماء والدعاة وفصائل المقاومة وغيرها بتأكيد حرمة الدم الفلسطيني.

أمام هذه المآسي فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو إلى ما يأتي :

أولاً ـ يؤكد على جميع بياناته السابقة ، وبخاصة بيانه في ربيع الأول 1426هـ الموافق 10/04/2005م من تنبيه الأمة الإسلامية إلى الخطر الداهم الذي يواجهه المسجد الأقصى المبارك بتهديد العصابات الصهيونية المتطرفة بمهاجمته يوم الأحد الموافق 1 ربيع الأول 1426هـ= 10-4-2005م. في جماعات دعوا إلى أن يكون عددها 100 ألف صهيوني متطرف، لاحتلاله بالصلاة فيه، تمهيدا لما يبيتون له من نوايا سيئة تنتهي في زعمهم بهدمه وإقامة هيكلهم المكذوب على أنقاضه.

وفي يوم الأحد الماضي بدأ العمل فعلاً لتحقيق الأمنية الصهيونية من خلال البدء بهدم سور خشبي وبعض المنشآت قرب حائط البراق بالحرم القدسي الشريف في ظل حراسة وتكتم شديدين .

إن الاتحاد يعلن للعالم أجمع أن المساس بالمسجد الأقصى سيكون هو الشرارة التي تشعل النار في العالم الإسلامي كله غضبا لأولى القبلتين وثالث المسجدين المعظمين، ومنتهى الإسراء ومبتدأ المعراج بخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وفرض عين على كل مسلم أن يبذل النفس والنفيس فداء للمسجد الأقصى ودفاعا عنه.

ويهيب الاتحاد بعلماء الأمة ودعاتها ومفكريها ومثقفيها في كل مكان أن يقوموا بواجبهم في تنبيه الأمة إلى هذا الخطر المحدق بالمسجد الأقصى، وهذه المحاولات الدائبة للعدوان عليه، وأن يعملوا على تعبئة قوى الأمة لتقف صفا واحدا كالبنيان المرصوص في مواجهة المؤامرة الصهيونية ضد المسجد الأقصى.

وإن هذا الواجب يقع أيضا على المؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية وعلى العاملين فيها كافة؛ وهو واجب العرب جميعا مسلميهم ومسيحييهم على تنوع اتجاهاتهم السياسية والفكرية؛ لأن القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية مدينة عربية عريقة مهددة بالزوال، وهو واجب المسلمين جميعا عربهم وعجمهم حيثما كانوا، وهو واجب الأحرار الشرفاء في العالم كله شرقه وغربه.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوربي، وهيئة الأمم المتحدة إلى الوقوف بجانب الحق العربي الإسلامي في القدس الشريف والمسجد الأقصى والحيلولة دون وقوع هذا الانتهاك الخطير لحرمته وقدسيته ، والقيام بكل ما يمكن فعله لمنع هدم المسجد الأقصى والمساس به .

بل إننا نتطلع إلى مناصرة شعوب العالم أجمع لحق المسلمين في المحافظة على هذا الصرح الديني التاريخي سليما مصونا ليؤدي فيه أهل الإسلام شعائرهم، على نحو ما يقف العلماء المسلمون مناصرين لكل أهل دين أو عقيدة في المحافظة على مقدساتهم ومشاعرهم. وإن ترك هذا العدوان يمضي في طريقه الذي خططته له الصهيونية المحلية والعالمية يفجر العنف غير المنضبط في كل مكان في العالم انتقاما لانتهاك المقدسات الإسلامية وغضبا لها.. وعندئذ فلا يلومن أحد إلا نفسه.

وإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليؤيد بكل ما يملك من قدرة حق أهل فلسطين المسلمين في الدفاع عن المسجد الأقصى الشريف وحمايته مما يتهدده من عدوان صهيوني آثم ومقاومة هذا العدوان بالقوة بوسائلها كافة؛ ويدعو الاتحاد الأمة الإسلامية جمعاء إلى اتخاذ المواقف المناسبة تعبيرا عن دعمهم للحق الإسلامي في صيانة هذا الصرح المقدس.

ثانياً ـ إن إقدام اليهود على هذه الخطوة الخطيرة نحو هدم المسجد الأقصى ما كان ليتم بهذه السهولة لو لم يكن هناك انشغال فلسطيني ودولي بفتنة داخلية بين أهل الأرض المباركة ، بين المرابطين والمجاهدين ، وبغي وعدوان من فئة على أمن المجتمع ،ومؤسساته الشرعية والمدنية حتى طال الاعتداء أماكن العلم ودور الآمنين وبيوتهم .

والاتحاد إذ يدين كل هذه الاعتداءات ، والممارسات البعيدة كل البعد عن الإسلام ، وعن العروبة ، وعن الوطنية ، يهيب بالفلسطينيين أن يهبوا صفاً واحداً لنجدة القدس الشريف ، وإنقاذ الأقصى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) سورة الصف /الآية 4 .

ويؤكد الاتحاد أن ما يحدث في أرض فلسطين أكبر جريمة بحق القدس الشريف ، وبحق الأراضي المباركة ، وبحق الشعب الفلسطيني ، وإنها فتنة تؤججها إسرائيل ومن وراءها من أمريكا وغيرها ، كما يشارك فيها بعض الدول التي تسوق للمشروع الصهيوني بتأجيج نار الفتنة بالمال والسلاح بين أبناء الشعب الواحد .

إن الاتحاد ليؤكد على تحريم الاعتداء على دم المسلم وماله وعرضه وكرامته ، وعلى حرمة إمداد أحد الفريقين بالسلاح ليقووا الفئة التي لا تتورع عن تجاوز الخط الأحمر في إراقة دماء الفلسطينيين الطاهرة.

ثالثاً ـ يؤكد الاتحاد ما جاء في بيان مؤتمر نصرة فلسطين في الدوحة في الفترة 12-13 ربيع الثاني 1427هـ ، والذي جاء فيه : إن التعاون بين جميع القوى الفلسطينية ضرورة تمليها العقيدة الدينية، والمصلحة الوطنية، والحكمة السياسية. فالكاسب الوحيد من الخلافات بين الفلسطينيين هو العدو الصهيوني ومن يجري في ركابه.

والفصائل الفلسطينية التي حملت سلاحها دائما في وجه عدو واحد، وحرمت في أحلك الظروف الدم الفلسطيني، وتمسكت بالثوابت الإسلامية والعربية والفلسطينية مدعوة اليوم إلى نبذ أي خلاف مهما يكن سببه، وقطع دابر أي نزاع مهما بدا له من تبرير. والعلماء والفقهاء المجتمعون في هذا المؤتمر يفتون بحرمة هذا التنازع أخذا من قول الله تبارك وتعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)؛ وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

رابعاً ـ ينبه الاتحاد على إن إخفاق مسيرة الإصلاح والتغيير في فلسطين ومنع الحكومة المنتخبة من ممارسة حقها ، وعدم تشكيل حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت سيدفع الشعوب الإسلامية إلى مزيد من الإعراض عن الوسائل السلمية التي يدعو إليها أهل العلم وأهل الرأي لإصلاح الأوضاع في بلادنا كلها.

خامساً ـ يدعو الاتحاد قادة العالم وحكامه ومفكريه ومثقفيه وذوي الرأي في كل مكان إلى التنبه إلى مخاطر الصلف الصهيوني، والدعم العالمي له، والإهمال المستمر بل العدوان الجائر على حقوق الفلسطينيين شعباً وأفراداً. إن كل ذي ضمير حي لا يقبل أن يستمر الوضع المأساوي الفردي والجماعي في فلسطين المحتلة، ولا ريب أن هذا الضمير يدعو أصحابه إلى الجهر بكلمة الحق، ويدعو القادرين على التغيير في البلاد الديمقراطية بوجه خاص إلى حمل قادتهم وحكامهم على إحقاق الحق و إبطال الباطل فان عجزوا فلا يكونون أعوانا للباطل وظلمه وطغيانه.

وفي الختام يدعو الاتحاد جميع المسلمين للوقوف صفاً واحداً لمنع هذا العدوان على المسجد الأقصى وبذل كل ما يستطيعون في سبيل إنقاذ المسجد الأقصى والمساس به، من خلال الاعتصام السلمي والمظاهرات السلمية ، كما يدعو بإلحاح الفلسطينيين إلى توحيد صفوفهم وتوجيه أسلحتهم نحو عدو واحد وهو العدو الصهيوني المحتل ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا و) سورة آل عمران / الآية103 ، ( وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) سورة الأنفال /الآية46 . وينتهزوا فرصة اللقاء بمكة المكرمة ويقيموا حكومة الوحدة الوطنية، ولا يستجيبوا للقوى المعادية التي تريد أن تضرب بعضهم ببعض

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..

والحمد لله رب العالمين

الأمين العام للاتحاد  رئيس الاتحاد

أ. د. محمد سليم العوا أ.د. يوسف القرضاوي