بسم الله الرحمن الرحيم

نص البيان الختامي لاجتماع الجمعية العامة الثاني للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المنعقد في إستانبول بتاريخ 14-15 جمادى الآخرة 1427 هـ الموافق 10-11/7/2006م

الحـمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه الى يوم الدين، وبعد

فقد عقدت الجمعية العامة الثانية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مدينة إستانبول يومي 14 و15 من جمادى الآخرة 1427 هـ. = 10 و11/7/2006 م.

وشارك في هذه الجمعية أكثر من ثلاثمائة عالم من أعضاء الاتحاد من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، تجشّموا عناء السفر وتركوا أعمالهم ومهماتهم الجليلة في بلدانهم لأداء دورهم البنّاء في تقوية هذا الاتحاد وتطوير عمله وتأكيد دوره الأساسي في خدمة قضايا الأمّة والدفاع عن مصالحها.

وقد بدأت الجمعية العامة بحفل افتتاحي حضره عدد كبير من العلماء والرسميين الأتراك يتقدّمهم نائب رئيس الوزراء وزير الدولة السيد محمد شاهين، وفضيلة رئيس الديانة الأستاذ الدكتور علي دره قولي وسعادة والي إستانبول الأستاذ معمّر كولار وممثّل رئيس بلدية استانبول وعدد من أعضاء البرلمان التركي، ورئيس اتحاد الجمعات الطوعية الأستاذ نجمي صادق أوغلو. كما حضر حفل الافتتاح معالي الأمين العام لمنظّمة المؤتمر الإسلامي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو.

وقد ناقشت الجمعية العامّة الموضوعات المدرجة على جدول أعمالها، فناقش أعضاؤها مناقشة موسّعة قضايا الأمّة وأبدوا فيها آراءهم ومقترحاتهم التي سيأتي التعبير عن مجملها في فقرات هذا البيان.

وأقرّت الجمعية العامّة النظام الأساسي ولائحة العضوية للجمعيات والأفراد المقترحين من مجلس الأمناء، وأبدى عدد كبير من الأعضاء ملاحظات تفصيلية عهدت الجمعية العامة إلى مجلس الأمناء المنتخب بأخذها في الاعتبار لتعديل النظام واللائحة المذكورين وعرضهما معدّلين على الجمعية العامة القادمة.

وأحيطت الجمعية علماً بصدور الميثاق الإسلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعبّر عن الفكر الإسلامي الوسطي الذي يعتنقه الاتحاد، ويدعو إليه ويعمل على توسيع نطاق الالتزام به في الأوساط الإسلامية كافّة.

وقد عرضت على الجمعية تقارير عن عمل الاتحاد في خلال السنتين الماضيتين، عرضها الأمين العام ورؤساء لجان قضايا العالم الإسلامي، والحوار والاتصال، والإفتاء والبحوث.

وبعد مناقشات مستفيضة لكلّ ما تقدّم، واستحضاراً لمسؤولية العلماء في إسداء النصح للأمّة، حكاماً ومحكومين عندما يصيبها ما يهدد مصلحتها العليا أو سلامة ديارها أو وحدة أبنائها أو استقرارها، رأت الجمعية العامة أن توجز رؤيتها لأهمّ القضايا الحاضرة في ما يأتي:

أولاً: في الشأن الفلسطيني:

يؤكّد الاتحاد أنّ ما يصيب هذه الأمّة من جرحها النازف منذ نيّف ونصف قرن في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس من أرض فلسطين التي بارك الله فيها، يوجب على المسلمين حيثما كانوا أن يعينوا إخوانهم بشتى أنواع الجهاد: بالمال والنفس واللسان والقلم، وأن يستنفروا القوى المحبّة للخير في العالم للوقوف صفاً واحداً لاستنكار جرائم الكيان الصهيوني في حقّ الإنسان الفلسطيني ومسكنه وحرثه ونسله، فأشجار الزيتون المعمّرة آلاف السنين تُقلع بمئات الألوف، وهو عمل لو قام به كيان آخر لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاجتمعت المجالس وفرضت العقوبات وطبّق الحصار. ولكنّها العداوة للإسلام وأهله ودوله وشعوبه التي لا تخفيها الدول العظمى ولا تجد على ما تفعل رقيباً ولا حسيباً.

ويؤكّد الاتحاد أنّ الانتفاضة المباركة والمقاومة الفلسطينية الباسلة تمثّل واحدة من أنبل مواقف هذه الأمّة في القديم والحديث، وهي ممارسة مشروعة لحق -بل واجب- مقاومة الاحتلال الذي يقرره الإسلام وسائر الشرائع الدينية، وتنصّ عليه شرعة جنيف وسائر قرارات الأمم المتّحدة والمنظمات الدولية. ومن الواجب على كلّ فرد منّا أن يقدّم لها ما يستطيع من دعم. وهي تستحقّ التهنئة والثناء على ما أبدته ولا تزال تبديه من وعي عميق واتزان في التعامل مع الآخر، وحرص على تجنّب أي خلاف يشقّ الصفّ الفلسطيني من الداخل أو الخارج. ويذكّر الاتحاد المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها بحرمة الدم الفلسطيني بعضه على بعض، وبضرورة تمسّكها بالثوابت الإسلامية والوطنية في الشأن الفلسطيني ويدعوها إلى الثبات على هذا الموقف حتى يتحقق النصر والتحرير بإذن الله.

ويكرّر الاتحاد دعوته علماء المسلمين خاصّة، والمسلمين عامّة، وذوي المال والسعة بوجه أخصّ، إلى مناصرة قضية القدس بما يستطيعون من قوّة، ولا سيما في مجال تسويق وتمويل المشروعات الاقتصادية والإعمارية والإنمائية العملية لدعم وإسناد الشعب الفلسطيني في الداخل وخصوصاً في مدينة القدس، وتعميم مشروع المؤاخاة بين العائلات العربية والإسلامية في العالم وبين العائلات الفلسطينية في الداخل ولا سيما في مدينة القدس وقراها وبلداتها، وتعميم مشروع التوأمة بين المؤسسات والمجتمعات المدنية العربية والإسلامية وبين مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل، ودعم المدارس والمستشفيات ودور الأيتام في الداخل الفلسطيني، والعمل على كلّ ما من شأنه تثبيت الوجود الفلسطيني في الأرض المباركة وعدم النزوح عنها، ومقاومة مشاريع تهجير المقدسيين بوجه خاص والفلسطينيين بشكل عام، وتقديم سائر أشكال الدعم الممكنة لهذه القضية.

ويحذّر الاتحاد أمّة الإسلام من المؤامرة الكبرى المتمثّلة في محاولة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في فلسطين تحت أيّة ذريعة، ويناشد ضمائر كلّ أولئك الذين هم في موقع المسؤولية، أن يتّقوا الله في مواقفهم، أن لا ينجروا إلى تنفيذ مخططات أعداء الأمّة الرامية إلى إيجاد مخرج لقوات الاحتلال، ينقذها من الظهور بمظهر المهزوم، ويحقق مآرب المحافظين الجدد الذين يستمدّون مخططاتهم من المشروع الصهيوني ويعملون على إنجاحه.

إنّ الشعب الفلسطيني اليوم يتعرّض لحملة ضارية ظالمة لتجويعه، بل لقتله جوعاً، فضلاً عما يتعرّض له منذ سنين بصورة يومية من حملات القتل والاغتيال والهدم والتدمير لأبطاله وشبابه ورجاله ونسائه وأطفاله وأرضه المزروعة ومؤسساته وبيوت أفراده.

وهذا الشعب البطل المجاهد المصابر – في الرأي الإجماعي للجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – يجب إعانته من أموال الزكاة والصدقات والوصايا بالخيرات العامة، وغيرها. بل يجب أن يقتطع المسلمون نصيباً من أموالهم الخاصّة، ومن أقواتهم، لدعم إخوانهم في فلسطين فإنّه: (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع). و(المسلم أخو المسلم لا يظله ولا يسلمه). وإنّ القضية اليوم هي قضية تحد بين بقاء مشروع اختاره الشعب الفلسطيني بإرادته الحرّة وبين محاولات إسقاطه وإحلال مشروع آخر يريده الأعداء. كما يدعو الاتحاد كلّ مستطيع إلى "تبنّي" مواطن واحد من مواطني فلسطين، ويتكفّل بدفع راتبه الشهري إن كان موظفاً، أو ما يكافئ ذلك إن كان غير موظّف، وبتحويل ما يدفعه إلى الحساب المصرفي الشخصي لأخيه الفسطيني في الداخل بواسطة البنوك العادية، وهو أمر لا يمكن أن تمنعه قوات الاحتلال.

وينبّه الاتحاد إلى أنّ إخفاق المسيرة الديمقراطية الفلسطينية سيزيد الشعوب العربية إعراضاً عن الوسائل السلمية للإصلاح والتغيير. وسيُدخل المنطقة كلّها في دوامة لا نهاية لها من العنف بين المدافعين عن حقوقهم المشروعة وبين الغاصبين لها. وهو أمر يجب أن لا يغيب عن نظر ذوي الرأي في الأمّة لأنّ عواقبه وآثاره لن تستثني أحداً.

وفي هذا السياق، يؤيّد الاتحاد بكلّ قوّة الجهود التي يبذلها عدد من المؤسسات والأفراد لبدء حملة شعبية عالمية لدعم الشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية، ويدعو إلى سرعة تحقيق نتائج هذا المشروع الجليل في الواقع العملي، فإنّ حال أهلنا في فلسطين لم يعد يحتمل انتظار التفكير والتخطيط والبحث والدراسة.

ويدعو الاتحاد إلى الاستمساك بما صرّحت به وزيرة خارجية الكيان الصهيوني من أنّ الفلسطينيين الذي يستهدفون الجنود الإسرائيليين ليسوا إرهابيين وإنما هم أعداء محاربون. وينبني على هذا التصريح أنّ الجندي الذي أسرته قوات المقاومة الفلسطينية الباسلة – ومن سيؤسر بعده من الجنود الإسرائيليين إن شاء الله – إنما هو أسير حرب، وليس مخطوفاً كما يزعم الصهاينة ومَن يردّد كلامهم، مِمَّن يحمون عدوانيتهم، أو من بني جلدتنا مع الأسف، ومن ثمّ تنطبق بحقّه الاتفاقيات الدولية التي تحكم قضايا الأسرى. وليس في هذه الاتفاقيات ما يبيح لدولة الأسير اجتياح أراضي آسريه، وإنما يتحدد مصيره بحسب ما يتمّ عليه الاتفاق عند انتهاء الحرب، أو حين التوصّل إلى هدنة اقترحتها الحكومة الفلسطينية ولم يوافق عليها العدو. في حين أنّ جميع المعتقلين في السجون الصهيونية من أطفال ونساء ورجال، وآخرهم عدد من الوزراء والنواب المنتخبين انتخاباً شرعياً، هم مختطفون بشكل يخالف جميع الأعراف والاتفاقات والتعاهدات، وليس من بينهم جندي فلسطيني واحد أسرته القوات الصهيونية في معركة.

ثانياً: في الشأن العراقي:

يواصل الاتحاد بقلق بالغ متابعة ما يحدث في العراق منذ بداية الاحتلال الغاشم، من مسلسل القتل المتواصل، ونزف الدم الذي لا ينقطع من الشعب العراقي الجريح، ومن فتك بالأبرياء، وتفجيرات ظالمة أصابت ولا تزال تصيب الأنفس والممتلكات، والمنازل والمساجد وأماكن العبادة.

ويود الاتحاد أن يؤكد ما أعلنه من قبل، من أنّ ما ترتكبه الجيوش الأجنبية الغازية للعراق، من فظائع لم يسبق لها مثيل، ومن استعمال لأسلحة الدمار الشامل على نطاق واسع، ومن خرق فاضح لاتفاقيات جنيف وسائر الاتفاقات المتعلّقة بالمدنيين في أثناء الحروب، وبالعاملين في الخدمات الصحية، وبأسرى الحرب، ومن استخدام موثق لأنواع الأسلحة المحرّم استخدامها دولياً، ومن اعتداء على الأعراض، ومن تخريب للبيوت والمباني والمساجد والكنائس وسائر دور العبادة، ومن تدمير للبنية الأساسية، وإهلاك للحرث والنسل.. ومن قتل للجرحى في المساجد ومنع للإمدادات الإغاثية عن المنكوبين وقصفٍ للمستشفيات ومنعٍ للفرق الطبية من أداء واجبها الإنساني نحو الجرحى والمصابين، ومن تعذيبٍ ومعاملة غير إنسانية للأسرى والمعتقلين.. كلّ ذلك يمثِّل وصمة عار في جبين الدول التي تقوم به. ويهيب الاتحاد بحكومات هذه الدول بلا استثناء أن تثوب إلى رشدها، وأن تسترجع إنسانيتها، وأن تكفّ على الفور عن هذه الأعمال التي تحرّمها وتجرّمها كلّ المواثيق والدساتير والقوانين والأعراف، وأن تنسحب من العراق انسحاباً فورياً، يتولى بعده الشعب العراقي إدارة شؤون بلاده بنفسه.

وقد أفزع الاتحاد ما يحدث في بغداد وغيرها من المدن، من مجازر بشرية امتلأت معها المستشفيات والشوارع بجثث الأبرياء وأشلائهم، ومن نشاط فرق الموت والاغتيالات في قتل القيادات وأئمّة المساجد والعلماء وذوي التأثير في بغداد وضواحيها، وفي خطف الأبرياء، وانتهاك الأعراض، والهجوم على المساجد والجوامع بالهدم الكامل، أو الإحراق أو النهب والاعتداء، حتى أصبحت بغداد، عاصمةُ الحضارة الإسلامية وبلد الأئمة والفقهاء ودار السلام، تغرق في برك الدماء الطاهرة التي تشكو إلى ربّها من هول ما أصابها.

والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الوقت الذي يؤكّد التنديد بالاحتلال باعتباره السبب، والمسؤول الأول عن كلّ ذلك، حسب القوانين والأعراف الدولية، يؤكّد إدانته الشديدة لجميع أعمال العنف والإرهاب والقتل والتخريب والخطف والتفجيرات التي توجَّه نحو الأبرياء... ويحذّر أشدّ التحذير كلّ من له يد في هذه الفتنة في الداخل والخارج، وينبّه على أنّ هذه الفتنة لن يكون فيها غالب ولا مغلوب، بل سيكون الخاسر الوحيد هو الشعب العراقي الجريح، ويكون المستفيد الوحيد هو المحتلّ والمتربّصون بالعراق.

ويدعو الاتحاد الشعب العراقي إلى تحقيق وحدته على أساس المساواة في حفظ الحقوق وأداء الواجبات، وعودته إلى أمّته الإسلامية ليقوم بدوره المنشود. وبهذه المناسبة فإنّ الاتحاد يؤكّد على أنّ العراق اليوم يتعرّض لمؤامرة كبرى تهدف إلى تمزيق نسيجه الاجتماعي ولو بقي رسمياً دولةً واحدة، وذلك من خلال إثارة النعرات المذهبية والطائفية والقومية وتضخيم نقاط الخلاف وجعله ضحية لسياسات خارجية، وجعل ساحته ساحة صراع للتصفية بين أمريكا وأعدائها، وإذا لم يستجب العراقيون لنداء الوحدة وينبذوا كلّ ما يفرّقهم فإنّهم سيكونون الضحية لهذه المؤامرة الكبرى.

ويدعو الاتحاد العالم الإسلامي، ولا سيما دولَ الجوار، إلى دعم الشعب العراقي وعدم التدخّل في مشكلاته الداخلية وإلى المساهمة في وضع الحلول لإعادة سيادته بالكامل وخروج المحتلّ وإعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد العزيز.

كما يدعو الاتحاد علماء السنّة والشيعة في العراق، وبخاصّة المرجعيات الكبرى، إلى تحمّل مسؤوليّتهم في الحفاظ على وحدة الشعب والوقوف في مواجهة هذه الفتن، وحقن دماء أهل القبلة وأهل الدار. كما يدعوهم إلى الاجتماع في أقرب موعد ممكن، برعاية منظّمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرحب بمبادرة المنظمة في هذا الشأن، وذلك للتوصل إلى ميثاق شرف لحقن دماء المسلمين، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (فلا ترجعنَّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). وسيكوّن الاتحاد فريقاً من علمائه للعمل على تقديم تصوّر كامل لإنهاء الأزمة العراقية الحالية. كما يدعو الاتحاد – إلى أن يتمّ تحقيق ذلك- إلى تحقيق التوازن بين جميع طوائف الشعب العراقي في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

ثالثاً: في الشأن السوداني:

يعبّر الاتحاد عن تأييده للجهود التي تبذلها الحكومة السودانية في رأب الصدع الوطني الداخلي الناتج عن أزمة دارفور، وعن الاختلاف بين فئات السياسيين الجنوبيين، وعن محاولة إحداث الفتنة في شرق السودان وهي الأحداث التي تتوالى وتتواتر مثبتة أنّ يداً أجنبية تصرّ على العمل على تمزيق السودان والقضاء على وحدته. ويؤيّد الاتحاد التوجّه الذي أعرب عنه البرلمان العربي في بيانه يوم 16/3/2006م.، من عدم القبول بوجود قوات دولية في أي جزء من أرض السودان، دون موافقة حكومته.

ويدعو الاتحاد سائر الفصائل التي حملت السلاح في دارفور إلى الانضمام إلى الاتفاق الذي تمّ مؤخراً بين الحكومة السودانية وكبريات تلك الفصائل. كما يدعو الحكومة السودانية إلى تطبيق المنهج الذي اتبعته في إنهاء أزمة دارفور على الأزمة الناشبة في شرق السودان.

ويدعو الاتحاد الدول العربية والدول الإسلامية الإفريقية، إلى تحمّل مسؤولياتها في قوات حفظ السلام في دارفور، وفي جنوب السودان، بما يقطع الطريق أمام التدخّل الأجنبي في هذا البلد العربي الإفريقي المسلم، ويحفظ له استقلاله ووحدة أراضيه.

كما يعلن الاتحاد رفضه واستنكاره لفرض أي نوع من أنواع العقوبات على السودان.

رابعاً: في الشأن الصومالي:

يتابع الاتحاد بقلق بالغ ما يجري في أرض الصومال من منازعات وحروب طال أمدها حتى جاوزت العشرين سنة فدمّرت بنيته الأساسية وأضاعت فرص التطوّر البناء على أجيال متتالية من شبابه. ويدعو الاتحاد القوى المتنازعة في الصومال إلى رأب الصدع فيما بينها والنزول على كلمة سواء تحفظ للصومال وحدته وتصونه من تدخّل القوى الأجنبية المتربّصة به. وسيعمل الاتحاد على تحري حقائق الوضع في الصومال، وعلى بذل كلّ جهد ممكن للمعاونة على إنهاء أزمته الحالية وخروجه منها في أقرب وقت ممكن.

خامساً: في الشأن الإيراني:

يؤيّد الاتحاد حقّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسائر الدول الإسلامية، في الحصول على الطاقة النووية وسائر ضروب الطاقة المتجددة، ويدعو إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه محاولات قوى الهيمنة والاستكبار لاحتكار استعمال الطاقة النووية ولو للأغراض السلمية، وحرمان سائر دول العالم من الإفادة منها. ويرحِّب الاتحاد بالاستعداد الذي أبدته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في شأن مشاطرة الدول الإسلامية الأخرى ما بلغته من تقدّم في هذا الشأن.

سادساً: حقوق الأقليات المسلمة:

يعرب الاتحاد عن قلقه البالغ لما تتعرّض له الأقليات المسلمة في عدد من دول العالم من اضطهاد جائر، واستهانة بمشاعر المسلمين وشعائرهم ومظاهر حياتهم الفردية والجماعية، ويدعو الاتحاد حكومات تلك الدول، والإعلام فيها بوسائله كافّة، إلى ضمان حصول المواطنين المسلمين فيها على حقوقهم الكاملة بما في ذلك حقّهم في التعبير وممارسة الشعائر الدينية وحقّ تقرير المصير في المناطق التي يؤلّف المسلمون فيها أكثرية مطلقة.

ويقف الاتحاد موقفاً مماثلاً من حقوق الأكثريات المسلمة في بعض البلدان الإسلامية التي تنتهك سلطاتها حقوق الأكثرية الإسلامية، فتحرم نساءها من ممارسة حقّهنّ الطبيعي في ارتداء اللباس الإسلامي أو تضيّق على الملتزمات به، وتضطهد الملتزمين بدينهم لا لشيئ إلاّ أن يقولوا: ربُّنا الله! بل قد يصل الأمر إلى حدّ تدنيس المصحف الشريف، والاستهانة بشعارات الإسلام وشعائره، من قِبل زبانية بعض هذه الأنظمة. ويدعو هذه الدول إلى الالتزام بدساتيرها التي تنصّ على مرجعية الإسلام لقوانينها، والانصياع لرغبات أكثرية شعوبها إن كانت كما تزعم أنظمة ديمقراطية.

ويذكّر الاتحاد بما يجري من ذلك بعضه أو كلّه في الشيشان وكشمير وبورما (ميانمار) وتايلاند والفلبين ونيبال وتركستان الشرقية وغيرها، داعياً إلى أن تقف الأمّة شعوباً وحكومات من المسلمين في هذه البلاد الموقف الذي تستوجبه مشاعر الجسد الواحد.

سابعاً: الدعوة إلى المصالحة الشاملة:

يدعو الاتحاد مجدداً إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمّة كافّة، الحكومية والشعبية، العلماء والدعاة، الهيئات والمنظّمات، على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة والتزام النهج السلمي قولاً وعملاً، وإرساء قواعد العدالة، وتنفيذ أحكام القضاء تنفيذاً فورياً، وتأكيد سيادة القانون واستقلال القضاء، وإلغاء قوانين الطوارئ، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ظلماً، وتأكيد دور العلماء في إصلاح الأمّة والدعوة إلى الله والالتزام بثوابت الأمّة الدينية والوطنية، والدفاع عنها تعزيزاً لدورها، وقطعاً للطريق على المتربّصين بها الدوائر.

ويرحّب الاتحاد بالجهود الدائبة التي تبذل في بعض الأقطار العربية لتحقيق المصالحة بين جميع الفئات العاملة لخدمة الفكرة الإسلامية ولا سيما الذين انتهجوا سبيل العنف والتغيير بالقوة عددا من السنين، ثمّ فاءوا إلى كلمة الحقّ، وعادوا إلى نهج الوسطية الإسلامية الذي يتبناه الاتحاد ويدعو إليه، ويؤكّد الاتحاد في هذا السياق على ضرورة الإسراع في الإفراج عن سائر المعتقلين السياسيين، في جميع دول العالم الإسلامي، واستيعاب الجميع في الحياة العملية، وفي النشاط الدعوي السلمي، استثماراً لطاقتهم، واستفادة من تجربتهم في الحيلولة بين الشباب المسلم وبين الوقوع في براثن دعاة الغلو والعنف والتكفير.

ويدعو الاتحاد علماء المسلمين جميعاً، إلى الالتزام ببنود الميثاق الأخلاقي الإسلامي، الذي يواثق الله به كلّ مسلم بمجرّد أن يقول: سمعنا وأطعنا، في التعامل مع إخوانه في الدين داخل الصفّ الإسلامي، وإخوانه في بنوّة آدم خارج الصفّ الإسلامي، وفي ما يلي تذكير بأهمّ هذه البنود:

- استخدام القوة العادلة مع الأعداء، والرحمة المتسامحة مع المؤمنين ولو خالفوه الرأي بحيث يعذر بعض المؤمنين بعضاً، ولا يقسو بعضهم على بعض، وينطلق كلّ منهم من منطلق حُسن الظنّ بالمؤمنين، ويكفّ الجميع عن التخوين والتفسيق والتبديع والتكفير، فالمؤمنون أشداء على الكفار رحماء بينهم، ولا يجرمهم شنآن قوم على أن لا يعدلوا، ومن قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما ولا سيما المتألّي على الله.

- التفتيش في كلّ مكيدة يُكاد بها للمسلمين عن العدو الخارجي الذي يتربّص بهم الدوائر، وعن الوسواس الخناس الداخلي الذي يُشيع الفتنة ويبثّ الفرقة، ولا سيما ذلك الذي يستغلّ العواطف المذهبية والطائفية مطيّةً لتحقيق مآربه السياسية ومصالحه الشخصية.

- النظر إلى اختلاف الرُؤى بين المسلمين في الاجتهادات الفقهية وفي المواقف اليومية على أنه ينبوع ثراء واختلاف تنوّع، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن لا يزال الناس مختلفين، إلاّ من رحم ربّك.

- مواجهة التحدّيات القائمة بتضافر الجهود بدل تراشق الاتهامات، والتأكيد على تلازم القضايا الإسلامية بعضها مع بعض.

الحذر من التأثّر في اتخاذ المواقف، بإرهاب السلطة أو إرهاب العوام، وعدم ترك المجال للإمّعيات أو انفعالات اللحظة أن تتحكّم في اتخاذ القرار.

ولا يفوت الاتحاد في هذا السياق ما تعبّر عنه الدوائر الإسلامية، وجمعيات العلماء وروابطهم واتحاداتهم من مخاوف مما يحاك للإسلام وأهله في بلاد المسلمين نفسها، ويذكّر علماء الأمّة في جميع أقطارها بواجب الوقوف على ثغر القيم والمبادئ والتعاليم الإسلامية لئلا يصاب الإسلام داخل أرضه وفي وسط أهله.

ويود الاتحاد وهو ينهي أعمال جمعيته الثانية أن يتقدّم بصادق الشكر وموفوره إلى كلّ من ساهم في الترتيب لها وتيسير أعمالها حتى أدت مهمتها على أحسن ما يكون الأداء.

ويخصّ الاتحاد بالشكر الحكومة التركية وبوجه خاص وزارة خارجيتها التي سهّلت منح تأشيرات الدخول إلى تركيا لأعضاء الاتحاد من جميع سفاراتها في جميع أنحاء العالم. واتحاد الجمعيات الطوعية في تركيا الذي ساهم مساهمة فعّالة في تنظيم الجمعية العامة وإنجاح أعمالها.

كما تشكر الجمعية العامة اللجنة التحضيرية التي شكّلها مجلس أمناء الاتحاد لتنظيم هذه الجمعية والإعداد لها.

وكما بدأنا بحمد الله نختم بحمده، فبنعمته تتمّ الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.