القواعد الحاكمة لفقه المعاملات
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه.
(أما بعد)
فقد طلبت إليَّ الأمانة العامة للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، على عادتها في كلِّ سنة، أن أشارك بكتابة بحث في دورته المنعقدة في مدينة استانبول في شهر رجب، وهي عن (المعاملات المالية) التي تُهِم المسلمين في أوربا. وأن يكون بحثي عن إحدى قواعد المعاملات، ولكني رأيتُ أن أوسِّع البحث، وأجعل موضوعه (القواعد الحاكمة لفقه المعاملات) زيادة في الفائدة. فاستعنتُ بالله تعالى، وكتبتُ هذه الصحائف حول سبع من القواعد الكبيرة التي تندرج تحتها قواعد أخرى فرعية، فضلاً عن جزئيَّات وتفصيلات كثيرة.
وقد استفدتُ مما كتبه فقهاؤنا السابقون، الذين يعنون بهذه القواعد، ولا سيما الإمام السيوطي الشافعي (ت911هـ)، وابن نُجَيم الحنفي (ت970هـ) وكلاهما مصري، وقد اقتبس ابن نُجيم كثيرًا من السيوطي بالحرف وإن لم يُشِر إليه.
كما استفدتُ من (مجلة الأحكام) العدلية، التي قنَّنت فقه المعاملات على مذهب أبي حنيفة في صورة مواد، على غرار القوانين الوضعية، وصدَّرتها بالقواعد الكلية التي بلغت (تسعا وتسعين) قاعدة، وقد شرحها كثيرون، من أعظمهم شرح العالم التركي الكبير الأستاذ: على حيدر. الذي أبدع في البيان، وضرب الأمثلة للإفهام، وإيضاح المقصود بلغة سهلة. فجزاه الله خيرًا.
كما استفدتُ مما كتبه العلاَّمة الفقيه الكبير الشيخ مصطفى الزرقا، في كتابه الشهير (المدخل الفقهي العام) رحمه الله، وجزاه عن الفقه والإسلام خيرًا.
كما اطلعتُ بعد كتابة بحثي هذا على كتاب مهم كان غائبا عنِّي، وهو (موسوعة القواعد والضوابط والقواعد الفقهية، الحاكمة للمعاملات المالية في الفقه الإسلامي)، التي صنَّفها أخونا العالم الباحث الهندي الذي تخصَّص في هذا المجال، وعُرف به وأبدع فيه: الدكتور علي أحمد الندوي، والتي صدرت في ثلاثة مجلدات عن (دار التأصيل)، التي يُشرف عليها صديقنا الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل، بالتعاون مع الهيئة الشرعية لشركة الراجحي للصيرفة والاستثمار وشركة المستثمر الدولي بالكويت.
وقد وجدتُ هذا العمل كبيرًا وأصيلاً، حتى إني استصغرتُ عملي بإزائه، ورأيتُ أن لا داعي لنشره، ولكن بعض إخواني قالوا: إن لكتابك نكهة خاصة، ومذاقًا خاصًّا، يجعله عملاً متميِّزًا عن غيره، وإن كان الموضوع واحدًا، وقد نزلتُ على رأيهم، ووافقتُ على نشره، في انتظار العمل الكبير (معلمة القواعد الفقهية)، الذي يُشرف عليه أخونا العالم الباحث المنظم الدكتور جمال الدين عطية، ومعه الدكتور الندوي، والدكتور الريسوني، وعدد من الباحثين الطيبين. أدعو الله أن يوفق إلى إتمام عملهم على أكمل وجه ممكن، وأن يتقبَّل منا ومنهم، إنه سميع مجيب.
وها أنذا أقدِّم بحثي لإخواني ليناقشوه، ويُصوِّبوه أو يُحسِّنوه، فليس في العلم كبير، وفوق كلِّ ذى علم عليم. آملاً أن يكون فيه بعض النفع للمسلمين عامة، وللأقليَّات الإسلامية خاصَّة، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الفقير لله تعالى
يوسف القرضاوي
الدوحة: جمادى الآخرة 1430هـ
يونيو (حزيران) 2009م