خطب الشيخ القرضاوي - الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
بقلم د. خالد السعد
أحمد الله تعالى على نعمه التي لا تُعد، وآلائه التي لا تُحصى، وأصلي وأسلم على معلم الناس الخير، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فلا أجد نفسي في حاجة إلى أن أعرف بصاحب هذه الخطب: سماحة أستاذنا العلامة، الفقيه الجليل، إمام العصر، الدكتور الشيخ يوسف بن عبد الله القرضاوي حفظه الله ورعاه، فهو في غنى عن التعريف والتنويه، فقد سارت بذكر علمه الركبان، ولم يعد بلد من بلدان الإسلام إلا واطلع على فقهه وتتلمذ عليه، وله في كل بلد تلاميذ، وفي قطر مريدون.
ويعد سماحته واحدًا من أبرز رموز الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، وتمثل قضايا الصحوة وسبل ترشيدها، هاجسه الدائم، وشغله الشاغل، وله في هذا الميدان جهود جبارة، ومساهمات ملموسة، لا ينكرها إلا جاحد أو حاسد أو مكابر.
وسماحة الشيخ القرضاوي في طليعة الخطباء المرموقين والموهوبين، الذين اشتهروا بخطبهم منذ سنوات طويلة، لا على مستوى قطر والخليج، بل على مستوى العالم كله.
وخطبه دائمًا مرتبطة بالواقع، تقوم اعوجاجه، وتعالج أمراضه، في ضوء تعاليم الإسلام، موثقة بالأدلة، خالصة من الزوائد والشوائب، بعيدًا عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لا غلو فيها ولا تفريط، لا تسكت عن حق ولا تتكلم بباطل.
والأسلوب الذي يسلكه الشيخ القرضاوي -حفظه الله- في عرض الإسلام على جماهير الناس أسلوب متميز، وهو من أنجح الأساليب في ترسيخ قيم الإسلام وعقائده في العقول والأنفس، لما يتسم به من جمال العرض، وصدق اللهجة، وحرارة العاطفة، فضلًا عن الروح المتدفقة بالإيمان الحي المتحرك والمتفاعل مع الناس والأحداث، مع ما حباه الله به من فصاحة اللسان، وثبات الجنان، ورباطة الجأش، وقوة الصوت، وملكة التعبير، وجمال الأسلوب، وجودة الفهم، وسعة الاطلاع، وقدرة على الاتجال نادرة، وقوة الحافظة، التي تسعفه بما يريده من نصوص وشواهد في كل موضوع كأنها مصنفة بين يدي.
تراه في خطبه منفعلًا كأنه منذر جيش، يهز المنابر إذا علاها، ويحرك أوتار القلوب إذا خاطبها، ويثير العواطف إذا ذكرها. كل ذلك بلغة سهلة بينة، تجمع بين دقة الفقيه، وإشراقة الأديب، وروح الداعية. من يصغى إلى خطبه المنطوقة، أو يقرأها وهي مكتوبة، يجد فيها المنهج الواضح، والتوجيه السليم، والوعظ المتزن، والمزج الحكيم بين الجديد والقديم، وهي ليست على النمط الذي يعني بالسجع أو يتكلفه، ولكنها إطلاق للسان على سجيته، وإن كانت لا تخلو من المحسنات البيديعية والبيان المشرق.
أشياء كثيرة نجدها في هذه الخطب، لذا كان لزامًا على تلامذة الشيخ القرضاوي ومحبيه أن يسعوا إلى نشرها، لتعم فائدتها ويبقى أثرها؛ وهذا ما عقدت عليه العزم منذ مدة، فوجهت جهدي إلى جمع ما أمكنني جمعه من خطب الشيخ وتهيئته للنشر، وقد وفق الله فأعددت هذا الجزء، آملًا أن تتلوه في المستقبل القريب أجزاء أخرى بعونه تعالى.
وينحصر عملي في هذا الكتاب في:
1- انتقاء عدد من خطب الشيخ وتفريغها من الأشرطة المسجلة -المسموعة منها والمرئية- ونسخها على الورق.
2- عزو النصوص القرآنية الكريمة إلى سورها وأرقامها.
3- تخريج الأحاديث النبوية الشريفة.
4- رد بعض الاقتباسات التي ينقلها الشيخ إلى مصادرها، وإرجاع ما أمكن منها إلى أصله.
5- إرفاق بعض الخطب بالتعاليق التي رأيتها مفيدة للقارئ.
وقد تفضل الشيخ -جزاه الله خيرًا- بمراجعة هذه الخطب قبل طبعها، وأدخل عليها بعض التعديلات والتهذيبات اللازمة التي يتطلبها أسلوب الكتابة.
وآمل من إخواني الخطباء -وبخاصة الناشئين منهم- أن ينتفعوا بهذه الخطب، ويفيدوا من طريقة صاحبها في التناول والاستدلال، ويفيدوا من تجربته العميقة في الخطابة والدعوة، والتي مضى عليها أكثر من نصف قرن، فمنذ أن كان طالبًا بالمعاهد الأزهرية وهو يعتلي المنبر ويخطب الناس الجمعة، ولا يزال كذلك، رغم تقدم سنه، وكثرة أعبائه، وشواغله التي لا تنتهي.
حفظ الله شيخنا الجليل، وأمده بموفور الصحة والعافية، وأبقى له هذا اللسان المعبر الناطق بالحق واليقين، وأطال في عمره، ونسأ في أجله، وبارك في أنفاسه، ومتعنا والمسلمين بفضله وعلمه وجهاده، آمين.
كما أسأله سبحانه أن يبارك هذا الجهد الذي اعتز به، ويتقبله بقبول حسن، ويحقق النفع من ورائه، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول، والحمد لله رب العالمين.