مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية

تحميل الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمانا وأسوتنا وحبيبنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد...

فقد تنادى الكثيرون في المشرق والمغرب - ولا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م- إلى الحوار بين الأديان، وخصوصا الدينين الكتابيين الكبيرين: المسيحية والإسلام.

وتجاوب الكثيرون مع هذه الدعوة، والتقى المسلمون والنصارى في عدة لقاءات ومؤتمرات في أكثر من بلد، وشاركت شخصيا في حضور مؤتمرين كبيرين:

أحدهما: في روما بدعوة من جمعية سانت جديو الشهيرة، وهو المؤتمر الذي سموه «القمة الإسلامية المسيحية»؛ نظرا لأهمية الذين شاركوا فيه من الجانبين.

والثاني: كان في القاهرة بدعوة من المجلس الأعلى العالمي للدعوة والإغاثة ومنتدى الحوار الإسلامي، وكان التركيز فيه على نصارى الشرق أكثر من غيرهم.

كما شاركت في مؤتمرات ولقاءات أخرى، وإن لم تكن على هذا المستوى.

 

وهنا تعالت أصوات كثيرة داخل العالم الإسلامي تنادي: لماذا لا يتحاور المسلمون بعضهم مع بعض؟ أليس هذا من الأولويات؟ أليس الحديث يقول: «ابدأ بنفسك» ، والحديث الآخر يقول: «ابدأ بمن تعول»؟!

ترى: هل ما بيننا نحن المسلمين بعضنا وبعض من الخلاف: أوسع وأكبر مما بيننا وبين أهل الأديان الأخرى؟ ولماذا إذن لا نتحاور بغية التفاهم والتقارب؟

ولا شك أن منطق الدين والعلم والواقع يؤكد: أن حوار المسلمين بعضهم مع بعض أحق وأولى بالاهتمام من الحكماء والعقلاء من أبناء الأمة، وإذا كنا مأمورين بالحوار مع مخالفينا من أهل الديانات الأخرى بقوله تعالى: {وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ} [النحل: 125]، أفلا نحاور من تجمعنا به العقيدة الواحدة، والقبلة الواحدة، وكلمة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»؟

 

لهذا أعتقد أن اهتمامنا بالحوار الإسلامي المسيحي لا يجوز أن يزيد أو يجور على اهتمامنا بالحوار الإسلامي الإسلامي، لا سيما بين الفئتين الكبيرتين: السنة والشيعة، بغية التقريب بينهما بالحق لا بالباطل.

 

إن اللقاء والحوار وتبادل الأفكار يساعدنا على أن يفهم بعضنا بعضا، ويقترب بعضنا من بعض، ويزيل الجفوة، وينشئ المودة، ويجلو كثيرا من الغوامض، ويزيح الكثير من الشبهات، وذلك إذا خلصت النيات، وصحت الأهداف، وقويت العزائم، وغلب العقل على الهوى، والحكمة على التهور، والوسط على الشطط.

 

على أن هنا عاملا مهما يدعو الأمة كلها بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها: أن تتقارب وتتلاحم وتتضامن فيما بينها، وهو الخطر الداهم الذي يهدد الأمة جمعاء، إن لم تقف له بالمرصاد، إنه خطر تجمعت فيه الصهيونية والصليبية والوثنية، رغم ما بين بعضها وبعض من خلافات، ولكن جمعهم العدو المشترك وهو الإسلام، وصدق قول الله تعالى: {وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۖ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} [الجاثية: 19].

 

وإذا جاز للأمة - وما هو بجائز- أن تفترق في أيام الرخاء والعافية، فلا يجوز لها أن تتفرق في أيام الشدة والبلاء، فإن الشدائد تجمع المتفرقين، والمحن توحد المختلفين، والأخطار تقرب المتباعدين، ورحم الله أحمد شوقي حين قال: إن المصائب يجمعن المصابين!

 

لهذا رحبت بدعوة نائب رئيس الوزراء ووزير الشئون الإسلامية الصديق الكريم الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة، للمشاركة في «مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية» الذي يعقد في مملكة البحرين تحت رعاية ملكية سامية، وكتبت هذه الورقة: «مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية»، راجيا بها أن أضيء شمعة في طريق التقريب بين الجماعات والطوائف والمدارس الإسلامية، في هذا الوقت العصيب الذي تتعرض فيه الأمة لكل أنواع الغزو: الديني، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، والعسكري، ويريد خصومها أن يغيروا هويتها، ويمسخوا شخصيتها، ويجعلوها ذيلا لهم، وقد جعلها الله رأسا! وهي أحوج ما تكون إلى وحدة الهدف، ووحدة الصف، وأن تعتصم بحبل جميعا ولا تفرق.

 

وواجب علماء الأمة ودعاتها ومفكريها - وهم عينها التي بها تبصر، وعقلها الذي به تفكر، ولسانها الذي به تعبر- أن ينبهوها إلى ذلك، حتى لا تغلب على أمرها، وتسقط في يد أعدائها، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.

 

يوسف القرضاوي

القاهرة جمادى الآخرة 1425هـ

يوليو 2004م