جريمة الردة وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى، وعلى خاتمهم المجتبى، محمد وآله وصحبه ومن بهم اقتدى فاهتدى...
أما بعد:
فقد كثر الكلام عن الردة وعن المرتد، وعقوبته في شريعة الإسلام، ودخل في المعركة من يحسن ومن لا يحسن، وقال من قال: إن القرآن لم يتعرض لهذه الجريمة قط في أي آية من آياته!
وقال آخرون: إنه لم يرد في عقوبة المرتد إلا حديث واحد هو: «مَن بدل دينه فاقتلوه» وحاولوا أن يهونوا من شأن الحديث.
وحاول آخرون أن يهونوا من شأن هذه الجريمة وخطورتها على المجتمع، ولم يفرقوا بين المسر والمجاهر، ولا بين الداعية وغير الداعية، ولا بين الردة المخففة والردة المغلظة.
وفي هذه الرسالة نجتهد أن نبين الحق في هذه الأمور التي التبس فيها الحق بالباطل، واختلط الحابل بالنابل، معتمدين على نصوص القرآن وصحيح السُّنَّة، وفهم الصحابة، وأقوال جهابذة الأمة.
وقد استبان لنا أن القرآن لم يهمل جريمة الردة ولا عقوبتها بالكلية كما زعم زاعمون، وأن السُّنَّة لم يرد فيها حديث واحد عن عقوبة المرتد، بل عدد من الأحاديث عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما وضحنا خطورة الردة على المجتمع، وأنها يمكن أن تقسمه وتمزقه، وتوقعه في فتنة عمياء، بل في حرب أهلية، يقتل فيها العباد، وتدمر فيها البلاد، وتأكل الأخضر واليابس.
كما رجحنا أن المرتد العادي الذي لا يسعى لردة المجتمع وفتنته عن دينه، يكتفى بحبسه ومحاولة إقناعه، وإزالة اللبس والغبش عن فكرة، كما ثبت ذلك عن عمر، وكما هو راي إمامين كبيرين: إبراهيم النخعي وسفيان الثوري.
أسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة، وأن يضئ بها الطريق للتائهين عن الدرب، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل.
يوسف القرضاوي