الأمة الإسلامية.. حقيقة لا وهم

تحميل الكتاب

مقدمة

ربنا لك الحمد، كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك.

وصلاة وسلامًا على من أرسلته رحمة للعالمين، وحُجَّة على الناس أجمعين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، وعلى من دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين.

أما بعد...

فمنذ سنوات ثلاث و«مركز الدراسات الحضارية» بالقاهرة يصدر تقريرًا سياسيًا موضوعيًا تحت عنوان «الأمة في عام»، وهو لا شك خطوة إلى الأمام، وكلمة «الأمة» يمكن أن تُطلق على الأمة بالمعنى المحلي: مصر مثلًا، ويمكن أن تُطلق على الأمة بمعنى أكبر: المعنى القومي الذي يشمل العرب جميعًا. فهذا وذاك يدخل في مسمى «الأمة» بمعنى الجماعة.

ولكن المعنى الذي ينقدح في ذهن المسلم -إذا ذُكرت كلمة الأمة- هو الأمة الإسلامية، فهو الذي يخطر بالبال، ويحضر في العقل، لأنها الأمة التي ينتمي إليها بحكم إسلامه، وهي الأمة المذكورة في قرآنه وسنة نبيه، وتراث حضارته، ولا غرو أن بدأ التقرير بمصر، ثم ثنى بالعرب، ثم ثلث بالأمة الكبرى: أمة الإسلامية.

ولقد طلب مني مدير المركز أن أكتب مقدمة لهذا التقرير الذي يتحدث عن الأمة المسلمة، فكتبت كلمة طالت نسبيًا موضوعها: «الأمة الإسلامية.. حقيقة لا وهم»، وقلت للإخوة المسئولين في المركز: تستطيعون أن تأخذوا منها ما يروقكم، وتحذفوا الباقي، ولا حرج عليكم، ولكنهم -جزاهم الله خيرًا- نشروها بكاملها.

ولقد قرأها كثيرون وعبروا عن سرورهم بها لما لمسوه من قوة المنطق الذي يعرض لقضية من أهم قضايانا وأخرطها، وهي قضية وحدة الأمة الإسلامية، وموقع الخلافة منها، وأمل الأمة في عودتها، وحكم الشرع في غيبتها، ولكني فوجئت بما كتبه الأستاذ سيد ياسين مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بصحيفة «الأهرام» منتقدًا بشدة ما كتبت، معتبرًا ذلك حلمًا من أحلام الفقهاء! لا يمت إلى الواقع بصلة! وهبه حلمًا، أفحرام علينا أن نحلم كما يحلم الآخرون في عالمنا؟ وقد حلم آخرون من قبل بما هو أبعد عن الواقع من هذا الحلم وحققوا أحلامهم.

وقد اضطررت أن أرد على الأستاذ ياسين في نفس الصفحة بالأهرام، وإن حذفوا بعض الفقرات من ردي -ربما بسبب المساحة- مما أحسب أنه لا يمس الجوهر، ثم عاود الأستاذ الكتابة تعقيبًا على ردي، فكان لابد من رد على الرد، وأغلقت الموضوع.

وها أنا ذا أنشر الموضوع كله على القُراء، رجاء أن ينتفع به من شرح الله صدره للحق، وبخاصة أن أكثر الذين تابعوا هذه المساجلة لم يقرأوا مقالتي الأصلية، حيث إن التقرير يوزع في نطاق محدود.

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه... آمين.

القاهرة: ربيع الأول سنة 1415هـ (سبتمبر 1994م).

د. يوسف القرضاوي