النية والإخلاص

تحميل الكتاب

تقديم

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لجلال وجه، وعظيم سلطانه، لا نبغي غيره ربًا، ولا نتخذ غيره وليًا، ولا نبتغي غيره حكمًا، ولا نشرك به ولا معه أحدًا ولا شيئًا، لا إله إلَّا الله ولا نعبد إلَّا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. 

وأزكى صلوات الله وتسليماته على سيدنا وإمامنا، وأُسوتنا وحبيبنا محمد، الذي كانت صلاته ونُسُكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له، كان كله لله، إذ تكلم فللَّه، وإذا صمت فللَّه، إذا غضب فللَّه، وإذا رضى فللَّه، إذا أحب فللَّه، وإذا أبغض فللَّه، إذا أعطى أو منع أو سالم أو حارب فللَّه، ولا شيء غير الله، وقد علمنا أن ندعو الله فنقول: "اللهم إنَّا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه".

ورضي الله عن أصحابه، الذين أخلصوا دينهم لله، وأخلصهم الله لدينه، فهاجروا لله، وآووا ونصروا لله، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وكان الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموال اقترفوها، وتجارة يخشون كسادها، ومساكن وأوطان يرضونها ... ورضي الله عمن سار على دربهم إلى يوم الدين.

أما بعد ...

فهذه الصحائف التي أقدمها لك - أخي المسلم - تتحدث عن شُعْبة أساسية من أرفع شُعَب الإيمان، وعن مقام من أعظم مقامات الدين، وخُلُق من أجَلِّ أخلاق الربانيين، هو «الإخلاص» الذي لا يقبل الله عملًا إلا به، فبغيره لا يكون العمل مرضيًا عند الله تعالى، كما قال سليمان سسس: { رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ} (النمل:19) .

وإنما يرضى الله العمل الصالح في ذاته إذا تحقق فيه الإخلاص، وانتفى منه الشرك أكبره وأصغره، جليه وخفيه: {فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (الكهف:110) . ولا يتم الإخلاص إلا بتوافر النية الصادقة، وتجريدها لله، وتخليصها من الشوائب والرغبات الذاتية والدنيوية، ومعنى هذا: أن يفني الإنسان عن حظوظ نفسه، ويتعلق بربه، فيمنحه القوة من الضعف، والأمن من الخوف، والغنى من الفقر.

وأرجو أن تجد أخي المسلم في هذه الصحائف ما يعينك على جهاد نفسك، ومقاومة شهواتها الخفية، وهي أشد خطرًا من الشهوات الظاهرة، حتى تخلُص لله، وتكون كلك لله: {وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (لقمان:22) .

اللهم اجعلنا من الذين إذا علموا عملوا، وإذا عملوا أخلصوا، وإذا أخلصوا قُبِلوا عندك يا رب العالمين ... اللهم آمين.

الفقير إلى الله تعالى

يوسف القرضاوى