نجاة محمد بن غانية*
لن أكتب في كلمتي هذه عن الإمام يوسف القرضاوي، وإنما سأكتب إليه.. وبين الكتابة عنه والكتابه إليه بون شاسع..
أحبُّ اللهَ وأحبّ رسولَه وآله وصحابته المهديين جميعهم، وتابعيهم بإحسان ما علمتُ منهم أحدا أو سمعت أو قرأت عنه..ولا يزال في قلبي متّسع ..بل ازداد بهم رحابةً ليسع كل أئمة الإسلام وأبطاله المجاهدين الصابرين والعلماء العاملين على إعلاء كلمته ونصرة الحق وإبلاغ الدين للناس كافة..
لكن لم أحض بلقاء أحدهم ولم أنل فضل التحدث إليه!، إلا ما كان مناجاةً لله تعالى السّميع البصير، القريب المجيب، عالم الغيب والشهادة أن يبلّغ عني سلامي وحبّي وامتناني لرسوله عليه الصلاة والسلام ولحماة الدّين بعده.. رضي الله عنهم وأرضاهم.
والآن أجدني في حال غير تلك وخلاف ما سبقها ..الآن أنا أمام أحد أولئك الأفذاذ الكرام والعلماء العظام والصالحين المصلحين المهتدين الهادين ولا أزكيه على الله.. قدوةٌ تحيا بيننا، داعيا إلى الله على بصيرة وعلى صراط مستقيم ..إمامي وأبي وملهمي، سلطان العلماء وفقيه الدعاة وداعية الفقهاء الإمام العالم المجتهد الرباني "يوسف بن عبد الله القرضاوي" حفظه الله وبارك لنا وللأمة فيه ونفعنا بعلمه وأدبه وفضله..
رأيت ألا يكون كلامي عنه إلا إليه، أمد الله في عمره وبارك فيه، فأقول له: شيخي وإمامي وقدوتي الإمام "يوسف القرضاوي"..
قد لا تعلمون إمامنا أنكم أحييتم أرضا بعد موتها بإذن الله ..
قد لا تعلمون إمامنا أنكم أعتقتم نفسا مؤمنة لوجه الله ..
قد لا تعلمون أنكم حرّرتم فكراً وأنرتم عقلاً وأطلقتم روحاً من سجن الجهل والحيرة والضّيق..إلى رحمة الله ونوره وسِعَتِه..
قد لا تعلمون إمامنا هذا كلّه وزيادة.. ذلك فضلكم عليّ.. وأنا كل ذاك!، وما أكثر الذين هم مثلي !! لا يعدّهم عادّ ولا يحصيهم أحدٌ إلا الذي حباك هذا الفضل وأعطاك هذه المكرمة..هنيئا لكم فضل الله عليكم..وهنيئا لنا وللأمة بكم.
ولست أنسى فضل العلماء والدعاة ممن تعلمتُ منهم الكثير ولا زلت.. لكن يقال "ليس المخبَرُ كالمُعايِن"، و"ليس من سمع كمن رأى" ..إنْ كنا تأثّرنا بدعوة وسير الأئمة الأوّلين، فإن لتأثير المعايشة والمشاهدة سحره وأثره في نفوس وأخلاق المقتدين، فزيادة على ما قرأته لكم من كتب ومقالات في مختلف العلوم الفقهية وفي التربية والدعوة الإسلامية، لا يسمح المقام بذكرها، فإن ما أسمعه وأراه على الشاشات ومن خلال الإعلام السمعي البصري من خطبكم وبرامجكم ومحاضراتكم..علما وفقها وأدبا وتوجيها وإرشادا ونصحا للأمة واشفاقا عليها مما هي فيه من بلاء وابتلاء، ووقوفكم مع المظلومين ونصرتهم وأخذكم على الظالمين، وكيف تعاملكم الراقي وردكم العلمي المتمكن من الكتاب والسنة على المنكرين عليكم الوسطية والاعتدال، ممن آذوكم ولم ينصفوكم واجتنبوا الصواب في حقكم وظلموكم ظلما مبينا..
رأيت منكم إمامنا في هذا وذاك العلم الراسخ وعفة اللسان والقلم والحياء والصدق والشجاعة في قول الحق مع نقاء السريرة وطهارة القلب والعفو عن الإخوة والإعراض عن الجاهلين...
وأحمد الله أن زادني فضلا، يتمناه من هو خير مني، أن جمعني بكم في الملتقى الرابع لرابطة تلاميذ القرضاوي..فرأيت منكم ما زادني إكبارا وإعزازا لكم.. وازددت مع من كان معي من الإخوة والأساتذة والعلماء بهذا الملتقى المبارك فهما لواقعنا ووعيا لديننا، فأنرتم البصائر وشددتم العزائم وأحييتم وأذكيتم الهمم..وزكّيتم أدبنا مع الله ومع خلقِ الله..بفطنة العالم وكياسة الداعية وصدق المحبّ ولغة الأديب وتواضع المؤمن وكرم المضيف وبشاشة المُربّي الحاذق ورحمة الوالد المشفق.. فأيّ فضل هذا لكم علينا؟! وأيّ فضل؟!
كتبتُ قبل هذا ورقة عن علاقتي بكم وذكرت فيها أني احترت في البداية متى كانت؟. إذ أنه من الطبيعي والمعقول أن يُؤثّر المفكرون والمصلحون والعلماء والفقهاء والدعاة في فئة الشباب والراشدين من النّاس..أما أنتم إمامنا سقيتم بذور الدعوة في قرارها..يوم لم نكن شيئا مذكورا، ونحن بعدُ تلاميذ صغارا في المدرسة الابتدائية نردّدُ نشيداً من نظمكم، حَداَ بقلوبنا الصغيرة آنذاك مُردّداً:
مسلمون مسلمون مسلمون * حيث كان الحق والعدل نكون
فكنا والله كما دعوتنا ولا زلنا، وأسأل الله الثبات على ما نحن عليه والهداية والسدّاد والتوفيق فيما هو آت.
وأقف هنا وقفة التلميذ بين يدي شَيخِهِ ومعلّمه ومربّيه ومؤدّبه.. ووقفة الشّاكر لفضل من أنعمَ عليه والمقرّ بفضل من أحسنَ إليه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام "لا يشكر اللهَ من لا يشكر الناسَ" رواه أحمد، وقال أيضا "من صنعَ إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه"، رواه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما.
ولستُ ممّن يقدرُ على مكافأتكم، ولا أدّعيها، لكن بإذن الله دعائي لكم موصول حتى ألقى الله عليه ..أن يجزيكم عنّا وعن أمة الإسلام وعن الدعوة الإسلامية خيراً كثيراً، وأن يجعلنا خير مُبلّغ عنكم دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخير الدّاعين لهديه وسنته، المنهج الربّاني الوسطي الإسلامي الحنيف ..{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: 143].
ــــــــــ
* باحثة أكاديمية بكلية الحقوق والعلوم السياسية - الجزائر