كتبي المهمة في الاقتصاد الإسلامي:
من الكتب المهمة التي صدرت لي في تلك المرحلة (1994م)، وأعتزّ بها: كتاب: «دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي»، وهو كتاب كبير في (440) أربعمائة وأربعين صفحة، وهو أحد كتبي المهمة في الاقتصاد الإسلامي، وهي:
1 - «فقه الزكاة».
2 - «مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام؟».
3 - «بيع المرابحة للآمر بالشراء».
4 - «فوائد البنوك هي الربا الحرام».
5 - «الزكاة وأثرها في حل المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها»(1).
والسبب في تأليفي هذا الكتاب: دعوة من مجموعة «دلّة البركة» التي يرأسها الشيخ صالح كامل، للمشاركة ببحث حول هذا الموضوع يقدم إلى ندوتها التي عقدتها بالقاهرة في شهر أكتوبر عام (1993م)، بالمشاركة مع بيت التمويل المصري السعودي، حول «تعريف الإعلاميين بالاقتصاد الإسلامي». فقدمت لها بحثًا، ثم أضفت إليه بحثًا آخر، قدمته لندوتها التي عقدت بعد ذلك في دبي، وبه اكتمل الكتاب.
وقد بينت في هذا الكتاب أهمية القيم والأخلاق ومدى تأثيرها في مجالات الاقتصاد المختلفة، من: إنتاج، واستهلاك، وتوزيع، وتداول.
كما بيَّنت فيه أن أبرز ما يميز الاقتصاد الإسلامي عن غيره من مذاهب الاقتصاد الوضعي: أنه اقتصاد قِيَم وأخلاق.
وهو بحث موثّق بأدلته من القرآن والسنة، وهما المصدران المعصومان الهاديان، فمن اهتدى بهما فلن يضل، ومن اعتصم بحبلهما فلن يزل.
والاعتصام بهذين الأصلين الربانيين الخالدين لا يغنينا عن الرجوع إلى علماء الأمة وأئمتها الراسخين، للاستفادة من علومهم في الشرح والبيان والاستنباط، ولا يُتصور في أيِّ علم كان - ديني أو دنيوي - أن يبدأ عالِم من الصفر، ويطرح التراث الهائل الذي تكوّن على مر الأجيال، وساهمت فيه عبقريات شتّى.
منهجي في الاستدلال بالأحاديث:
وقد التزمت في هذا الكتاب ألا أستدل إلا بحديث صحيح أو حسن، إذ لا حجة في غيرهما، ولا أحتج بحديث ضعيف بيّن الضعف، وإذا ذكرت حديثًا ضعيفًا - على ندرة - فإنما يكون للاستئناس لا للاحتجاج.
وهذا اقتضاني أن أُبيِّن درجة الأحاديث، وأُسندها إلى مصادرها، وأذكر مَنْ صحَّحها أو حسّنها أو - على الأقل - وثّق رواتها. وهذا ما ألتزمه منذ زمن طويل، على ما فيه من جهد، ولكنه جهد غير ضائع.
لماذا اهتممت بالاقتصاد الإسلامي؟
ولقد بيَّنت في تقديمي لبعض كتبي: لماذا اهتممت بالاقتصاد الإسلامي؟ فهو جزء من النظام الإسلامي العام، ومن الشريعة الإسلامية، فهو داخل في نظرتنا الشمولية للإسلام.
وانظر إلى كتاب مثل كتابي: «فقه الزكاة» هل تعده من الفقه أو تعده في الاقتصاد؟ ربما تعده في كليهما.
على أنَّ الاقتصاد الإسلامي يتضمَّن أمورًا في صلب الدعوة، مثل التكافل والعدالة الاجتماعية، وعلاج مشكلة الفقر، وتقريب الفوارق بين الطبقات بعضها وبعض... إلى آخره.
عناية دعاة الإسلام بالاقتصاد:
ولذا رأينا دعاة الإسلام على اختلاف أقطارهم واتجاهاتهم يعنون بالاقتصاد، كما رأينا في تراث المودودي، وسيد قطب، وحسن البنا، وعبد القادر عودة، ومحمد الغزالي، ومصطفى السباعي، رحمه الله تعالى.
والحمد لله أن أصبح الاقتصاد الإسلامي حقيقة واقعة، معلومة للباحثين في شتى الاختصاصات، وقد كان من قبل مجهولًا كل الجهل.
وهذا ما لمسته بنفسي، عندما اتجهت نيّتي إلى الكتابة في الزكاة في أواخر الخمسينات، وشرعتُ أبحث عن كتب الاقتصاد الوضعي لأقرأ فيها، وآخذ فكرة عن مضمونها، وعن موقفها من الإسلام وموقف الإسلام منها، وكذلك كتب المالية العامة.
وحاولت أن أجد في هذه الكتب شيئًا عن الإسلام، اعترافًا به أو تنويهًا بشأنه، ولو كناحية تاريخية، وكمذهب أو فكر ساد هذه الأقطار الإسلامية وحكمها ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، كان هو الذي يمثِّل المرجعية العليا لها في تشريعها وتوجيهها وتفكيرها الاقتصادي والسياسي والقانوني والسلوكي.
ولكن وجدت الكاتبين على اختلاف مدارسهم وتيّاراتهم، واختلاف بلدانهم وفلسفاتهم، يهملون أمر الإسلام إهمالًا تامًّا، ولا يذكرونه مدحًا ولا قدحًا.
وقد كان سبب ذلك هو جهل هؤلاء الأساتذة والباحثين بالإسلام كله: كتابه وسُنته، وفقهه وعقيدته، واقتصاده وسياسته، فما قرءوا شيئًا عن «الفقه» بصفة عامة، ولا عن فقه «السياسة الشرعية»، وفقه «الأموال» أو «الخراج» بصفة خاصة، ونسوا أن الركن العملي الثالث في الإسلام يتعلق بالاقتصاد، وهو «الزكاة». وأن إحدى الموبقات «الكبائر» السبع، تتعلق به، وهي «أكل الربا».
المؤلفات المعاصرة في الاقتصاد الإسلامي:
ولم يكن على الجانب الإسلامي إلا كتب قليلة كتبها بعض العلماء والدعاة، في طليعتها كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى: «الإسلام والأوضاع الاقتصادية»، و «الإسلام والمناهج الاشتراكية»، و «الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين»... وكتاب الأستاذ سيد قطب رحمه الله: «العدالة الاجتماعية في الإسلام». وبعض المحاضرات والمقالات في جوانب اقتصادية من وجهة النظر الإسلامية، مثل محاضرة الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله عن «الربا» التي ألقاها في مؤتمر باريس سنة (1951م)، ومحاضرة المشايخ: أبي زهرة، والدكتور خلاف، والدكتور عبد الرحمن حسن في حلقة الدراسات الاجتماعية بدمشق عن الزكاة، والوقف، ونفقات الأقارب سنة (1952م)، ومقالات الأستاذ محمود أبو السعود عن «استغلال الأرض في الإسلام» في مجلة «المسلمون» في الخمسينات أيضًا.
ولم أعرف رسالة أو أطروحة علمية قُدِّمت لجامعة من الجامعات في بلاد العرب عن الاقتصاد الإسلامي أو جانب منه؛ إلا رسالة الأستاذ شوقي إسماعيل عن «نظام المحاسبة في الزكاة» قرأت عنها مقالًا، ولم تُنشر إلا أخيرًا، وقد قدّمها للحصول على الماجستير في المحاسبة.
هذا في الجانب العربي، وفي القارة الهندية كانت دراسات الأستاذ أبي الأعلى المودودي، وفي مقدمتها: دراسته عن «الربا»، وعن «أسس الاقتصاد في الإسلام مقارنة بالنظم المعاصرة»، وعن «مِلْكية الأرض في الإسلام»، وأخرى عن «معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام».
الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي:
ثم بدأ الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي ينمو ويزدهر شيئًا فشيئًا، فظهر خلال السنوات العشر التي كنتُ أعد فيها رسالتي عن الزكاة عدد من الكتب في الاقتصاد الإسلامي، منها: كتاب الأستاذ محمود أبي السعود «خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي»، وكتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله : «اشتراكية الإسلام»، وكتب «المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية» بالأزهر، وفيه جملة بحوث أصلية(2)، وكتاب الأستاذ مصطفى الزرقا عن «عقد التأمين»، وغيرها من كتب ودراسات.
وعندما عُقِد المؤتمر الإسلامي العالَمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة المكرَّمة، تحت رعاية جامعة الملك عبد العزيز سنة (1976م)؛ قدَّم الأستاذ الدكتور محمد نجاة الله الصديقي قائمة ببلوجرافية عما نُشر حول الاقتصاد الإسلامي بفروعه وجوانبه المختلفة من كتب وبحوث ومقالات، باللغات الثلاث: العربية، والأردية، والإنجليزية، فكانت بضع مئات.
وقد قدَّمت مجلة «المسلم المعاصر» قائمة بالكتب والدراسات التي نُشرت في الاقتصاد الإسلامي، في عددين ساهمتُ في أحدهما.
واتَّسع الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي، وعُقدت له الندوات العامة والمتخصِّصة، وأنشأت بعض الجامعات أقسامًا علمية له، ونشأت كذلك مراكز لأبحاثه في أكثر من بلد، منها: المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ومركز صالح كامل للدراسات التجارية الإسلامية بجامعة الأزهر.
وقُدِّمت عشرات - وربما مئات - من رسائل الماجستير والدكتوراه في عدد من الجامعات في كليات الشريعة والحقوق والاقتصاد والتجارة وأقسام الدراسات الإسلامية حول عدد من موضوعات الاقتصاد الإسلامي.
مؤسسات وبيوت الزكاة:
ومن الناحية العملية أُنشئت مؤسسات أو بيوت الزكاة في أكثر من بلد، بعضها عقد مؤتمرات، وأقام حلقات، منها مؤتمر الكويت سنة (1984م)، الذي انبثق عنه توصيته بإقامة هيئة علمية عالمية لقضايا الزكاة المعاصرة، اختير أول رئيس لها صديقنا العلامة الشيخ محمد مختار السلامي مفتي تونس في وقتها، واختاروني نائبًا للرئيس، مع أني كنت غائبًا. كما عُقدت مؤسسة الزكاة بالسودان ندوات ومؤتمرات عدة، آخرها المؤتمر الذي عُقد بالخرطوم في مايو سنة (1994م)، وقد شاركت فيه.
قيام المصارف والبنوك الإسلامية:
كما أُقيمت مصارف وبنوك إسلامية تتعامل بغير الفوائد الربوية، التي أجمعت كل المجامع الفقهية والمؤتمرات الإسلامية على تحريمها، بدأت ببنك دبي الإسلامي، ثم بنوك فيصل الإسلامية، فبيت التمويل الكويتي، والبنك الإسلامي الأردني، وغيرها من البنوك التي انتشرت في العالم الإسلامي، والتي أبطلت مقولة: «لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا».
وقد عقدت هذه المصارف - أو البنوك - الإسلامية مؤتمرات عدة في دبي، والكويت، والقاهرة، وإستانبول، وغيرها، وصدرت عن هيئات الرقابة الشرعية لبعضها فتاوى ودراسات مفيدة.
وقد قدّر لي أن أترأس هيئة الرقابة الشرعية في عدد من المصارف الإسلامية، بلغت ثماني، وربما أكثر، في بعض الأوقات(3).
إحياء فقه المعاملات:
وقد أحيت البنوك الإسلامية «فقه المعاملات» المهجور، وأعادت إلى الناس الثقة بإمكان تطبيقها في عصرنا، وخطا بعض هذه البنوك خطوات جيدة إلى الأمام، وبعضها ما زال يشكو من ضعف القيادة أو سوء فقهها، ومن العنصر البشري الذي هو المحور الأساسي لكلِّ إصلاح أو تجديد، والذي دخل هذه البنوك دون فقه بمضمونها، ولا إيمان برسالتها.
المرأة ومؤتمر السكان في القاهرة (1994م)
خطورة أهداف المؤتمر وقراراته:
وفي سبتمبر سنة (1994م) انعقد مؤتمر المرأة والسكان في القاهرة، الذي كان له صدى كبير في منطقتنا العربية والإسلامية، ونظرًا لأهميته وخطورة أهدافه؛ فقد تحدّثت عنه في برامجي التليفزيونية، وفي خطبة الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب، وفي تصريحاتي للصحف القطرية وغيرها.
فقد أرادت الأمم المتحدة أن تمرر - من خلال هذا المؤتمر - قرارات جد خطيرة، تتعلق بالمرأة والأطفال والأسرة والحياة الاجتماعية مغفلة خصوصيات الأمم، ضاربة عرض الحائط بعقائد الديانات التي تدين بها هذه الأمم، وتتغلغل في حياتها، وتسري في كيانها مسرى الدم في العروق.
كان اتجاه المؤتمر أن يحصل على قرار بإباحة الإجهاض بإطلاق، وأن يسحب من الوالدين حقّ التوجيه الأخلاقي لأولادهما، ولا سيما فيما يتعلق بالناحية الجنسية، وحرية المرأة أن تتزوّج من تشاء، فتتزوج المسلمة بالنصراني أو اليهودي أو الوثني، إلى غير ذلك من التوجهات.
وقد ذكرني بعض إخواني أني أصدرت بيانًا إسلاميًّا بهذه المناسبة، نشر في صحيفة الشعب المصرية وقعته، ووقعه معي د. محمد عمارة، وأ. عبد الحليم أبو شقة.
الاتفاق الإسلامي المسيحي في وجه التيارات الإباحية:
ومن الإنجازات المهمة واللافتة للنظر في هذا المؤتمر: الاتفاق الإسلامي المسيحي للوقوف في وجه التيارات الإباحية، فرأينا مشيخة الأزهر الشريف، ورابطة العالم الإسلامي، وجمهورية إيران الإسلامية، ومعهم الكنيسة الكاثوليكية ومندوب الفاتيكان والبابا في روما، يقفون جميعًا جنبًا إلى جنب لنصرة القيم الدينية والأخلاقية، ضد دعاة الإباحة والشذوذ والمثلية، واستطاع هذا التكتل أن يحبط تلك التوجهات.
وهذا يؤذن بأن هناك مجالات عملية للتفاهم بين الدينين، إذا صفت النيَّات، وصحَّت العزائم.
....................
(1) ثم صدر لي أخيرًا: «مقاصد الشريعة المتعلقة بالمال»، و«القواعد الحاكمة لفقه المعاملات»، و«أصول العمل الخيري»، و«نظام الوقف في الفقه الإسلامي».
(2) من أهم ما جاء فيه: بحوث الدكتور محمد عبد الله العربي، والشيخ الخفيف، والشيخ السايس عن الْمِلْكية.
(3) منها: مصرف قطر الإسلامي، والبنك الدولي الإسلامي في قطر، والوطني الإسلامي في قطر، ومصرف فيصل الإسلامي بالبحرين، وبنك التقوى بسويسرا، ومصرف أبو ظبي الإسلامي، والبنك الإسلامي الأول بالبحرين، والهيئة الموحدة لبنوك البركة في جدة.