الشيخ مصطفي تسيريتش*
سبقت معرفتي بروح الشيخ القرضاوي وعلمه رؤيتي له بالعين، وعملي معه بالفعل؛ وذلك من خلال كتابه اللامع «الحلال والحرام في الإسلام». فقد كان هذا الكتاب عندي بمثابة دليل الحيران، وأنا طالب بالأزهر الشريف في السبعينيات من القرن الماضي، قاصدًا القاهرة من بلدي التي كانت تُعرف حينذاك باسمها المؤقت «يوغوسلافيا»، وفي الحقيقة مسقط رأسي باسمه الدائم «البوسنة» الأميرة في القارة الأوروبية، وكنت حينها هاربًا من الظُّلمة والضلالة الشيوعية الإلحادية الحابطة أعمالها.
لم يكن هذا الكتاب مقررًّا علينا في الشعبة العامة بكلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، بل كان مقرَّبًا ومحبوبًا إلى نفسي، التي وجدت فيه ما كانت تشتاق إليه طول عمرها، من معرفة الحلال والحرام، للآخرة الباقية، قبل الحصول على التقدير في الامتحان من أجل الأولى الفانية.
لقد صاحبني كتاب الشيخ القرضاوي هذا، بل الأصحُّ أن يُقال: إنني أنا قد صاحبته، وأنا إمام وخطيب أزهري في البوسنة في السبعينيات، وفي شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات، وأنا رئيس العلماء والمفتي العام في دولة البوسنة المستقلة مدة عشرين عامًا في أواخر القرن الماضي، وأوائل القرن الحالي.
إن مبادئ الإسلام العامة في شأن الحلال والحرام لم تكن مجهولة لدى علماء الإسلام، ولكنها في القرن الرابع عشر الهجري، أي القرن العشرين الميلادي؛ أصبحت بعيدة وغريبة عن العامة، حتى كاد يضيع ذكرها والعمل بها، ليس فقط في البلاد الغريبة عن الإسلام، بل في البلاد القريبة منه أيضًا، فجاء العلامة الشيخ القرضاوي ملبيًّا طلب مشيخة الأزهر؛ فأنقذ تلك المبادئ من النسيان والفقدان، بطريقة سهلة وقابلة للفهم والإدراك عند العامة، وجاهزة للاعتبار والاتباع عند الخاصة، في تقديمهم وتدريسهم لها على التلاميذ والطلبة.
........
* مفتي جمهورية البوسنة والهرسك السابق
- المصدر: «العلامة يوسف القرضاوي.. ريادة علمية وفكرية وعطاء دعوي وإصلاحي».