علي سعادة
كان من أبرز الدعاة، والمنظرين لما يطلق عليه "الإسلام السياسي"، ويعتقد أنه كان "الأب الروحي" لغالبية الحركات السياسية ذات الخلفية الإسلامية.
وكان يرى فيه مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن ديفيد شينكر، أنه "الأكثر أهمية" في الشرق الأوسط.
كان كاتبا غزير الإنتاج ولمع في برنامجه الذي عرض على قناة "الجزيرة" وقت ذروة المشاهدة، حيث كان يصل عدد متابعيه إلى نحو 60 مليون مشاهد.
كما أنه "النجم الهادي" والمنظر الفكري لـ"جماعة الإخوان المسلمين" والداعم بلا تردد لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وجهات نظره التي لا تهادن ولا تسترضي أحدا جعلته شخصية مثيرة للجدل في الوطن العربي والغرب، ومع ذلك كان ينظر إليه في الشرق الأوسط بأنه صاحب خط "معتدل نسبيا".
يوسف القرضاوي المولود عام 1926 في محافظة الغربية في مصر، توفي والده وعمره عامان فتولى عمه تربيته، حفظ القران الكريم وهو دون العاشرة، ليلتحق بعدها بكلية أصول الدين بـ"جامعة الأزهر" ومنها حصل على العالية عام 1953. وفي العام التالي حصل على الشهادة العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية.
واصل القرضاوي تنقله في دور العلم ففي عام 1958 حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب. ثم في عام 1960 على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من "كلية أصول الدين" والتي كانت مقدمة للحصول على الدكتوراة عام 1973 وكان موضوع الرسالة عن "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية".
انتسب إلى "الإخوان المسلمين" بمصر في وقت مبكر من حياته، وتعرض إلى الاعتقال وهو طالب في المرحلة الثانوية عام 1949، ثم عام 1954 في العهدين الملكي والجمهوري.
عمل القرضاوي في مصر مشرفا على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف، ثم مشرفا على مطبوعات الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف، كما التحق بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد، قبل أن يعار إلى دولة قطر عميدا لمعهدها الديني الثانوي عام 1961.
وفيما بعد حصل على الجنسية القطرية، وفي عام 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وبقي عميدا لها حتى عام 1990، كما أصبح مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر.
كثيرا ما عرض عليه تولي منصب المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين"، لكنه كان يرفض العرض.
واكتفى بتأليف كتاب "الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد" تناول فيه تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهايات القرن العشرين ودورها الدعوي والثقافي والاجتماعي في مصر وسائر بلدان العالم التي يتواجد فيها "الإخوان المسلمون"، إضافة إلى ما يزيد على 170 من المؤلفات من الكتب والرسائل والأبحاث.
وأبدى القرضاوي ترحيبه بتولي "الإخوان" حكم مصر، واعتبرهم "الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة" حسب وصفه، واعتبر مشروع حسن البنا "المشروع السني الذي يحتاج إلى تفعيل"، ووصف "الإخوان" بأنهم "أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء".
يثير بعض آرائه الفقهية جدلا باستمرار، فبعض آرائه لا تلقى ترحيبا عند بعض العلماء؛ لأنه في نظرهم يقدم الرأي على الدليل الشرعي خضوعا لضغوط العصر الحديث.
لكن مناصريه يقولون: "إنه استطاع الوصول إلى آراء فقهية تستند إلى قواعد واضحة في أصول الفقه كالجمع بين الأحاديث المتعارضة في الظاهر عن طريق البحث في مناسبة الحديث إضافة إلى دراسة المذاهب الفقهية المقارنة للوصول إلى الرأي الراجح".
أثار حفيظة الغرب أكثر من مرة حين رفضت السلطات البريطانية منحه تأشيرة الدخول إلى أراضيها؛ بسبب فتواه بتأييد العمليات الاستشهادية في فلسطين، كما منعته فرنسا من دخول أراضيها بوصفه شخصاً غير مرحب به في فرنسا.
في عام 2017 أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين في بيان مشترك قائمة "الإرهاب" ضمت "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" والقرضاوي مع أشخاص آخرين محسوبين على "الإخوان". وفي العام التالي أصدرت المحكمة العسكرية المصرية حكما بالسجن المؤبد عليه، بتهمة التحريض على العنف في قضية اغتيال الضابط وائل عاطف طاحون عام 2015.
واستنكر القرضاوي الحكم، ونفى أي دور له في الأمر.
وبدا القرضاوي وكأنه نقطة الخلاف الأساسية بين دول الخليج العربي في الأزمة الخليجية التي وقعت بين قطر وجيرانها، رغم أنه يقول إن مواقفه الشخصية "لا تعبر عن موقف الحكومة القطرية". وبأنه لا يتولى أي منصب رسمي "إنما أعبر عن رأيي الشخصي" بحسب قوله.
الهجوم عليه ليس وليد "الربيع العربي"، ولا الانقلاب في مصر ففي كل مرة، يصدع فيها القرضاوي بفتوى سياسية غير منسجمة مع السياق العام، تثور الحملة، ولا يخمد أوارها، حتى تثور مرة أخرى.
بشكل عام، آراؤه قد تنال الاستحسان إذا وافقت الهوى السائد، وعندما أعلن مثلًا عام 2013 أن كبار العلماء في السعودية كانوا أنضج منه وأبصر بـ"الشيعة" أشعل الصحافة السعودية مديحا له، وثناء عليه، لكنها في مواضع أخرى لم تتوافق مع المعهود والمأمول اشتعلت نار النقد والهجوم عليه والتسفيه والتقليل من شأنه.
مريدوه ومحبوه كان يعدونه عالما قل مثيله، فيما اعتبره أعداؤه مثيرا للفتن.
الخلاف معه في الأصل خلاف مع مواقفه السياسية، لكن هذا الخلاف سواء كان محقا أو مجحفا فهو لا يقلل من قيمة الشيخ العلمية والدينية، وهي المكانة التي جعلت كل ما كان يقوله أو يفعله يتحول إلى كلمات تمشي في شوارع "الربيع العربي".
أمضى صاحب مدرسة التيسير والوسطية القائمة على الجمع بين مُحْكَمات الشرع ومقتضيات العصر معظم سنوات عمره في الدعوة والكتابة والإرشاد قبل أن يرحل عمر ناهز 96 عاما، بعد أن أتعبه المرض في سنواته الأخيرة.
.....
- المصدر: السبيل الأردنية، 26-9-2022