تنتهج بعض وسائل الإعلام في مصر نهج أبي نواس حين قال :

مَا قَالَ رَبُّكَ: وَيْلٌ للأُلى سَكِرُوا      :      بَلْ قَالَ رَبُّكَ "وَيْلٌ للمُصَلِّينا" !

فقلب الآية وجعل الحق باطلا، كل ذلك بحيلة بلاغية لا تسمن ولا تغني من جوع !

وعلى مذهب أبي نواس، نرى الانقلاب يقلب كل القيم والمبادئ والمؤسسات، فصار القضاة المنوط بهم العدل، أداة للظلم، وصارت أجهزة الأمن مصدرا لإرهاب المواطنين وترويعهم، وصار الإعلاميون والصحفيون المنوط بهم نقل الحقائق وتوعية الناس: مفرخة لترويج الزيف والأكاذيب.

وقد فوجئ الناس بفيديو مجتزأ، ينسب لفضيلة الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ما لا يقصده.

ولكي يعلم من يهمه الأمر فإن هذا الفيديو جزء من حوار مصور لوكالة أنباء الأناضول، مر عليه أكثر من ثلاثة أشهر.

ووجد فيه مرتزقة الانقلاب فرصة سانحة للنيل من خصومهم السياسيين، الذين لا يملكون الدفاع العادل عن أنفسهم، وهم بين شهيد ومعتقل ومطارد، نعني: "جماعة الإخوان المسلمين".

لقد نسبوا للشيخ في هذا الفيديو أنه يقول إن أبا بكر البغدادي من الإخوان المسلمين، وتركوا ما قاله الشيخ عن داعش من أنهم: "يكفرون المسلمين، ويقتلون من أهل الذمة من لا يستحق القتل. فنحن نقاوم هذا الغلو، لأن هذا الغلو يضيع المسلمين".

وتعاموا عن كلمته: "لا معنى أن تقوم جماعة ويطلبون الخلافة، الخلافة لا تأتي بهذه الطريقة، إنما تأتي عندما تتجمع مجموعة بلاد إسلامية، تحكم بالشريعة، وتميل إلى الإسلام، وتريد أن يجتمع بعضها مع بعض".

وتغافلوا بيانه: "ليس من الضروري أن تكون الخلافة مثل الخلافة الإسلامية الأولى، يمكن أن تكون اتحادا فيدراليا، أو اتحادا كونفدراليا، ويمكن أن نبدأ باتحاد مثل الاتحاد الأوربي، ثم يتطور شيئا فشيئا".

وأهملوا تصريحه: "لا بد أن يسود الرأي المعتدل، والفقه المعتدل، في الساحة الإسلامية. الساحة الإسلامية ينقصها فقه الاعتدال، الفقه الوسطي... لا بد أن يسود فقه الوسطية، ويرفض هذا الفقه فقه الغلو أو التفريط... لا نريد التشدد. وأيضا لا نريد التسيب، ... نرفض الغلو، ونرفض التفريط والتقصير".

تركوا هذا كله والتفتوا إلى ما ذكره بصيغة التضعيف، نقلا عن بعضهم: إن هذا الشاب كان قريبا من الإخوان فترة من الزمن. ولكنه لم تعجبه آراؤهم المعتدلة، فجنح إلى غيرهم. وصار بعضهم يزيد وينقص، ويرغي ويزبد، وكأن الشيخ قد لقنهم حجتهم!

 وفضيلة الشيخ لا يعرف الرجل من قريب أو بعيد، والمتابع لتصريحات فضيلته يعلم جيدا موقفه من داعش، ومن كل الحركات المتطرفة التي تحيد عن منهج الإسلام الوسطي، وأنه يختلف معهم في المنهج والوسائل والآليات، ويعارض تساهلهم في الدماء المعصومة، والطريقة البشعة التي يقتلون بها مخالفيهم!

إن جماعات العنف تحارب الفكر الوسطي الذي يمثله الشيخ، وداعش وأمثالها تكفر الإخوان، ولا تعترف بمرجعية العلماء الوسطيين، وتعتبرهم مرتدين، ويتوعدونهم بالذبح.

فكيف يستقيم والحالة هذه، أن ينسبوا "الرجل"، أو غيره من الجماعات التكفيرية إلى الإخوان المسلمين؟

وعلى كل حال فإن جماعة الإخوان المسلمين في العراق والشام، تتبرأ من نسبة هذا الرجل إليهم، أو التحاقه بهم. وأهل مكة أدرى بشعابها، وبلدي الرجل أعلم به.

إننا ندعو جميع المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى الالتزام بأصول المهنة، وبقيم الأمانة، وبالتمسك بمواثيق الشرف الصحفية المعروفة عالميا، فالمناصب زائلة، والحكام المستبدون زائلون، وتبقى الكلمة شاهدا لأصحابها أو عليهم.

اللهم إنا نسألك خشيتك في السر والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى.

مكتب فضيلة الشيخ/ يوسف القرضاوي

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين