دعا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الثوار وأصحاب الرسالات في مصر وفي كل مكان إلى اتباع نهج الأنبياء في الصبر على الابتلاء والثقة بنصر الله، مؤكدا ثقته في وعد الله بنصرة الحق على الباطل.

وأشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن الأمة شهدت قيام 5 ثورات في وقت واحد، وانتصر الإسلام في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكاد أن ينتصر في سوريا غير أن النظام الغاشم أبى أن يسلم للناس وبدأ في قتلهم وهم عزل خرجوا يهتفون للحرية، لافتاً إلى أن استقواء النظام السوري بجيرانه ومن معه لن تكون له جدوى في النهاية؛ لأن الله يأبى إلا أن ينتصر الحق على الباطل.

جاء ذلك في محاضرة بعنوان "أمتنا بين الألم والألم" ألقاها فضيلته بمسجد "كتارا" في ختام سلسلة محاضرات "رياض الجنة"، حيث توجه بالشكر إلى قيادة دولة قطر، قائلا إنها تحرص دائمًا على الوقوف بجانب الحق، سائلاً الله تعالى أن يلهمها الصواب والرشد.

وقال الشيخ القرضاوي: كاد الحق أن ينتصر على الباطل في مصر، فإذا ببعض أبنائها ينقلب عليه، ورغم هذا سينتصر الاسلام، لافتا إلى أن هؤلاء المنقلبين بدأوا يتلجلجون وسينهزمون أمام الحق، مؤكدًا أنه يثق في وعد الله بنصر الحق على الباطل.

وأضاف: أقسمت بالله قبل أن يتنحى مبارك أن مبارك سيذهب لثقتي بوعد الله، وأحلف بالله أن الأمة الإسلامية ستنتصر ويتغيّر حالها بثباتها وتماسكها {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).

ولفت القرضاوي إلى قوله تعالى {هُوَ الَّذي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ} (التوبة:33)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر".

وبدأ فضيلته محاضرته بتعريف الأمة بقوله أنها أمة الإسلام والقرآن، أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي صنعها الله وجعلها خير الأمم، قال الله تعالى {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(البقرة:143)، فهي أمة من زرع الله وصنعته، وهي أمة مخرجة لم تخرج وحدها وإنما أخرجها الله ولا تعيش لنفسها وإنما تعيش لله ولخير الناس، قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} (آل عمران:110).

وأكد أن أهم ما تتميز به هذه الأمة أنها أمة واحدة {إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:92)، موضحًا أن الأمة ليست الفرد أو الأسرة أو المجتمع، وأنه مهما كان تعداد المجتمعات فإنها لا تصل إلى معنى الأمة الذي يشمل الأمة الإسلامية بجميع أجناسها وطبقاتها.

وقال إنه رغم أن حروف كلمتي "ألم وأمل" هي نفس الحروف إلا أن الفرق بينهما كبير جدا.. مشيرًا إلى أن طبيعة الدنيا أن يكون فيها ألم وأمل وأنه هكذا يعيش المجتمع والأمة والفرد، مؤكدا أن كل الآلام الحسية والمعنوية تعيشها المجتمعات والأفراد وأنه لا توجد أمة بغير ألم وخصوصا أمة الاسلام بالذات لأنها أمة صنعها الله فهي تعيش بين الألم والأمل، لافتا إلى أن وجود الألم في حياة الإنسان بشكل عام أمر طبيعي بحكم خلقته {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}. (سورةالبلد:4).

وقال الشيخ القرضاوي إن الابتلاء سنة من سنن الله الذي قال {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة:155)، مشيرا إلى أن الألم ليس مقتصرًا على الأمة وحدها، حيث قال تعالى {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء:104)، لافتاً إلى أن الأمة تتالم والآخرون يتألمون أيضًا غير أن هناك فرقاً بين هذا الألم وذاك؛ لأن المسلم يؤجر على هذا الألم، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه". رواه البخاري.

وأشار إلى أن الله تعالى قال {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} موضحًا أن كلمة شيء جاءت منكرة للتصغير وأن الله قدم الخوف على الجوع لأن الألم النفسي أقوى من الألم الحسي.

وقال: ابتلى الله الأمة بالحكام الظلمة فأصبحت تعيش في خوف غير أن النتيجة هي البشرى للصابرين لأن الله قال بعدها : "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".

وعلق على قول الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:140-142).

وقال فضيلته: لا بدّ من الابتلاء حتى يعلم الناس أهل الإيمان، والله يعلم كل شيء ولكنه يريد أن يعرّف الناس بالمؤمن وبالمنافق، فالكل يبتلى، المؤمنون وغير المؤمنين، ولكن ابتلاء المؤمنين أشد لأن عندهم دعوة ورسالة؛ وبالتالي فلا بد لأصحاب الرسالة والدعوة أن يفتنوا حتى يظهر إيمانهم وتظهر همتهم ويظهر عزمهم.

وأوضح أن الأمل نقيض اليأس، وأن هناك من يجرع ومن ييأس إذا تعرض للبلاء، وأن المؤمن يقابل الألم بالأمل بحيث يرجو أن يكون الغد أفضل من الأمس ومن اليوم؛ لأنه يعلم بأن بعد الضيق فرج وبعد العسر يسرا.

وأشار إلى أن هدي الأنبياء الصبر على البلاء لأنهم لما أصابتهم الابتلاءات صبروا وكانوا على ثقة من نصر الله لهم حتى قال الله لنبيه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (الأحقاف:35)، لافتًا إلى أن الله أعد كل شيء بحساب لأن كل شيء عنده بمقدار وأن كل شيء وعد به الله سيأتي في حينه غير أننا لا ينبغي علينا أن نتعجّل لأن آفة الإنسان العجلة {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (الإسراء:11) وعلينا أن نثق في وعد الله الذي قال لنا {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} (الأنبياء:37).

وقال إن المطلوب من أتباع الأنبياء والرسل ألا يتعجلوا النصر وأن يعلموا أن مع العسر يسرا، وأن يقتدوا بهدي الأنبياء عليهم السلام في الصبر على الابتلاء ويكونوا على ثقة بنصر الله لهم.