د. يوسف القرضاوي

اعتبرت السنة المحمدية الصحة والعافية من أعظم نعم الله تعالى، التي يجب أن تقابل بالشكر، المستوجب للمزيد. يقول تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم:7).

وشكر هذه النعمة يتم بالمحافظة عليها، وفق سنن الله في الأسباب والمسبَّبات، والاقتداء بالهدي النبوي في ذلك، فهو خير الهدي وأكمله.

يقول الإمام ابن القيم: ومن تأمَّل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجده أفضل هدي يمكن حفظ الصحة به، فإن حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم والمشرب، والملبس والمسكن، والهواء، والنوم واليقظة، والحركة والسكون، والمنكح والاستفراغ والاحتباس، فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسنّ والعادة، كان أقرب إلى دوام الصحة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.

ولما كانت الصحة والعافية من أجلّ نعم الله على عبده، وأجزل عطاياه، وأوفر منحه، بل العافية المطلقة أجلّ النعم على الإطلاق؛ فحقيق لمن رُزق حظًّا من التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما يضادها.

وقد روى البخاري في «صحيحه» من حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»(1).

وفي الترمذي وغيره من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري، قال: قال رسول الله: «من أصبح معافىً في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوتُ يومه.. فكأنما حيزت له الدنيا»(2).

وفي الترمذي أيضًا من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له: ألم نصح لك جسمك، ونروك من الماء البارد»(3).

من هاهنا من السلف من قال في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ (التكاثر:8)، قال: عن الصحة.

وفي مسند أحمد وغيره عن أبي بكر الصديق: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين: خيرًا من العافية»(4)، فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه(5)­. اهـ.

وروى النَّسائي من حديث أبي بكر أيضًا: «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، فما أوتي أحد بعد يقين خيرًا من معافاة(6). وهذه الثلاثة - كما قال ابن القيم - تتضمن إزالة الشرور الماضية: بالعفو، والحاضرة: بالعافية، والمستقبلية: بالمعافاة، فإنها تتضمن المداومة والاستمرار على العافية(7). اهـ.

..................

* من كتاب «السنة مصدر للمعرفة والحضارة» لفضيلة الشيخ.

(1) رواه البخاري في الرقاق (6412).

(2) رواه الترمذي في الزهد (2346)، وقال: حسن غريب. وابن ماجة في الزهد (4141)، وحسنه الألباني في الصحيحة (2318)، عبيد الله بن محصن الأنصاري.

(3) رواه الترمذي في التفسير (3358) وقال: حديث غريب، وابن حبان في مناقب الصحابة (7364) وقال الأرناؤوط: حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2022).

(4) رواه أحمد (5) وقال مخرجوه: إسناده صحيح. والترمذي في الدعوات (3558)، وقال: حسن غريب.

(5) زاد المعاد (4/ 196 - 197)، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: السابعة والعشرون , 1415 هـ /1994 م.

(6) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة (10651).

(7) زاد المعاد (4/ 198).