د. يوسف القرضاوي
الصلاة الحقيقية التي يريدها الإسلام تمدُّ المؤمن بقوَّة روحية ونفسية تعينه على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا؛ ولذا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153)، {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة:45، 46) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. (1)
في الصلاة يفضي المؤمن إلى ربِّه بذات نفسه، ويشكو إليه من بثِّه وحزنه، ويستفتح باب رحمته، ويستنزل الغيث من عنده: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (الشورى:28)
في الصلاة يشعر المؤمن بالسكينة والرضا والطمأنينة؛ إنه يبدأ صلاته بالتكبير فيحسُّ بأن الله أكبر من كلِّ ما يروعه ومَن يروعه في هذه الدنيا، ويقرأ فاتحة الكتاب فيجد فيها تغذية للشعور بنعمة الله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:2، 3)، وتغذية للشعور بعظمة الله وعدله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة:4)، وتغذية للشعور بالحاجة إلى الصلة بالله وإلى عونه سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5)، وتغذية للشعور بالحاجة إلى هداية الله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة: 6-7)
فلا عجب أن تمدَّ الصلاة المؤمنَ بحيوية هائلة، وقوَّة نفسية فياضة، وقد بَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم، مبلغ الأثر النفسي للصلاة، وما يسبقها من وضوء وذكر لله تعالى، وكيف يستقبل المؤمن المصلِّي يومه ويبدأ حياته الجديدة كلَّ صباح. قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كلِّ عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإذا هو قام فذكر الله انحلَّت عقدة، فإذا توضأ انحلَّت عقدة ثانية، فإذا قام إلى الصلاة انحلَّت عقده الثلاث، فأصبح طيِّب النفس نشيطًا، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»(2).
وفي عصرنا الحديث نرى من علماء الكون والحياة طبيبًا شهيرًا مثل الدكتور «ألكسيس كاريل» يبيِّن لنا في بحث له مدى هذه القوَّة التي يكتسبها المؤمن من الصلاة، فيقول: «لعل الصلاة هي أعظم طاقة مولِّدة للنشاط عرفت إلى يومنا هذا، وقد رأيتُ بوصفي طبيبًا، كثيرًا من المرضى فشلت العقاقير في علاجهم، فلما رفع الطبُّ يديه عجزًا وتسليمًا؛ تدخلت الصلاة فأبرأتهم من عللهم. إن الصلاة كمعدن «الراديوم» مصدر للإشعاع، ومولد ذاتي للنشاط، وبالصلاة يسعى الناس إلى استزادة نشاطهم المحدود، حين يخاطبون القوَّة التي لا يفنى نشاطها. إننا نربط أنفسنا حين نصلِّي بالقوة العظمى التي تهيمن على الكون، ونسألها ضارعين أن تمنحنا قبسًا منها نستعين به على معاناة الحياة، بل إن الضراعة وحدها كفيلة بأن تزيد قوتنا ونشاطنا، ولن تجد أحدًا ضرع إلى الله مرة إلا عادت عليه الضراعة بأحسن النتائج»(3).
هذا في الصلاة عمومًا، فكيف بصلاة الإسلام؟
.....
- المصدر: «العبادة في الإسلام» لسماحة الشيخ.
(1) رواه أحمد (23299)، وقال مخرجوه: إسناده ضعيف، وأبو داود في قيام الليل (1319)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4703)، عن حذيفة بن اليمان. ومنه أخذ بعضهم ندب صلاة النازلة، وهي ركعتان عقبها، وكان ابن عباس يفعل ذلك، ويقول: نفعل ما أمرنا الله به بقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، كذلك في التيسير للمناوي (2/ 245).
(2) متفق عليه: رواه البخاري في بدء الخلق (3269)، ومسلم في صلاة المسافرين (776)، عن أبي هريرة.
(3) دع القلق لديل كارنيجي.