هذه السلسلة تعني بأمر كبير له خطره في الفكر الإسلامي، وأثره على الدعوة الإسلامية، وعلى العاملين والناشطين على الساحة الإسلامية. فهي تعمل على توحيد رؤاهم العقدية والفكرية، واتجاهاتهم الأصلية، ومواقفهم الأساسية، وإن اختلفوا في الأمور الفرعية والتفصيلية.
الأصول العشرون للإمام الشهيد حسن البنا:
وتتخذ هذه السلسلة من «الأصول العشرين» للإمام حسن البنا: محورًا تدور حوله، وتنطلق منه للشرح والتأصيل.
وأعني بهذه الأصول: المفاهيم الأصلية التي جعلها رحمه الله أساسا «لوحدة الفهم» عند الإخوان المسلمين، بل قدّمها لاتحاد الجمعيات الدينية في مصر، لتكون «أساسًا فكريًّا تجتمع عليه»، وتعمل تحت رايته. وكوّنت ركن «الفهم» في «رسالة التعاليم» التي كتبها حسن البنا لتوجيه الإخوان العاملين، وقال في مقدمة رسالته: «إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجِّه هذه الكلمات، وهي ليست «دروسًا تحفظ» لكنها «تعليمات تنفذ»! أما غير هؤلاء فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات، ولكلِّ وجهةٌ هو مولّيها، فاستبقوا الخيرات، وكلًّا وعد الله الحسنى.
ومن قرأ هذه الأصول وتدبّرها حقّ التدبر، وكان له اطلاع على مصادر المعرفة الإسلامية؛ أيقن أنها تمثل خلاصة مركزة، لقراءات طويلة، ودراسات عميقة، في أصول الدين، وأصول الفقه، وأصول التفسير، وأصول الحديث، وأصول السلوك، وقواعد الفقه، مع عقلية هاضمة مستوعبة موصولة بالحياة والعصر، قادرة على التأصيل والترجيح.
وقد صاغ الأستاذ البنا هذه الأصول صياغة موجزة مركزة حكيمة معتدلة، حاول فيها أن يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق؛ ولهذا ترك بعض المسائل دون أن يرجح فيها رأيًا، مثل مسألة التوسل بالنبي والصالحين.
عنايتي بالأصول العشرين:
وقد عُنيت بهذه الأصول وشرحتها منذ كنا معتقلين في السجن الحربي، ولا سيما في أواخر مدة الاعتقال أي في سنة 1956م. وبدأت أشرحها لبعض الإخوان الذين استحسنوا شرحي، وحثّوني على أن أستمر في ذلك وأستكمله بعد خروجنا من السجن إن شاء الله.
وعندما زرت الأردن صيف سنة 1966م مقيمًا في مدينة الخليل العريقة: زرت مدينة إربد، والتقيت الإخوة هناك في المدرسة الإسلامية لمدة ثلاثة أيام مخيمين بها. وكان من برنامجي في هذه الأيام شرح هذه الأصول العشرين بطلب من الإخوة حفظهم الله. وقد سرّوا بشرحي لها، وطلبوا إليّ أن أعمل على كتابة شرح لها، فيستفيد منه الجميع.
شرحي المسجَّل للأصول العشرين:
وفي قطر طلب مني عددٌ من الإخوة أن ألتقيهم، لأشرح هذه الأصول شرحًا شفهيًّا يسجّل على الأشرطة، ويعمَّم بعد ذلك على الإخوة في أقطارهم. وقد فعلت ذلك، وسجّلت في نحو عشرة أشرطة كاسيت، وُزِّعت بعد ذلك على نطاق واسع، واستقبلها الإخوة بحفاوة واهتمام. وطلب مني بعضهم أن أفرغها مكتوبة فرفضت؛ لأنّ للكتابة لغة لا تتوافر في الشرح الشفهي المرتجل، وأني أنوي كتابة شرح خاص لها أفيض فيه وأؤصل وأفصّل إذا يسر الله.
كتابتي حول الأصول العشرين في مجلة الدعوة:
وعندما بدأت مجلة الدعوة في الظهور مرة أخرى في عهد المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله، بدأت أكتب فيها بعض المقالات حول هذه الأصول، ثم توقفت... إلى أن يسَّر الله لي العودة إلى الكتابة المنهجية المطولة حول هذه الأصول، فهي ليست مجرَّد شروح، بل هي بحوث أصيلة طويلة حول مفاهيم هذه الأصول ومعانيها. بحيث إنَّ بعض الأصول شرح الأصل الواحد فيها في كتاب كامل، كما في الأصل الأول، الذي يتحدَّث عن «شمولية الإسلام»، والأصل الثاني الذي يتحدَّث عن «المرجعية العليا للإسلام»، الممثَّلة في القرآن والسنة، والأصل الخامس الذي يتعلق بالسياسة الشرعية، أو برأي الإمام ونائبه، ومتى يعمل به... إلخ.
شرحي (14) أصلًا في ستة أجزاء:
هذا وقد صدرت من شرح هذه الأصول ستة أجزاء تضمَّنت أربعة عشر أصلًا، وبقي منها ستة أصول، أسأل الله أن يعين على إتمامها، وآخرها: الأصل الذي يتعلق بقضية «التكفير»، وقد كتبتُ منه فصولًا من قديم، وما زال في حاجة إلى التكميل، وما توفيقي إلا بالله.
شرح الأصول العشرين لشيخنا الغزالي:
ولقد شرح أكثر من واحد من دعاة الإخوان هذه الأصول العشرين، وأعتقد أن أفضل من شرحها هو شيخنا محمد الغزالي وسمَّي شرحها «دستور الوحدة الثقافية للمسلمين» وقد هاجم فيها دعاة التديّن المنقوص، أو التدين المتنطع، بأسلوبه الساخر، وبعباراته البليغة، وتصويراته الأدبية، واقتباساته القرآنية والنبوية، كان الشيخ بها نسيج وحده بحق.
وهذا الكتاب للشيخ كان بداية لسلسلة من الكتب الناقدة للغلو في الدين، تتفق كلها في الموضوع وتختلف في الأساليب والدلائل، مثل: مشكلات في طريق الحياة الإسلامية... هموم داعية... علل وأدوية... الطريق من هنا... الحق المر... إلخ.
جائزة البنك الإسلامي للتنمية
في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ
أبلغني معالي الأخ الفاضل الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية برسالة منه: أن البنك قد اختارني لنيل جائزة البنك في الاقتصاد الإسلامي؛ لما بذلته من جهد في خدمة هذا الاقتصاد.
وسيعلن عن هذا في اجتماع محافظي البنوك الإسلامية في مدينة طرابلس عاصمة الجماهيرية الليبية فيُرجى حضوركم.
وكانت الجائزة مقدارها عشرون ألف دينار إسلامي، والدينار يقل قليلًا عن الدولار. وقد أصبحت الآن ضعف ما كانت عليه.
تخوُّفي من الذهاب إلى ليبيا:
وكنت متخوّفًا من الذهاب إلى ليبيا، ولم أذهب إليها منذ سنة 1972م، حيث شاركت في ندوة التشريع الإسلامي، وقد شاركت فيها ببحثي الذي نشرته بعنوان: «شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان».
وأنا أعلم أن للدولة موقفًا من الإسلاميين، منذ سنين، ولم تنحل العقدة معهم بعد، وأن كتبي ممنوعة من الدخول ... إلخ، فكيف آمن أن أدخل ليبيا، وقد يحدث شيء ليس في الحسبان؟
سفري مع الشيخ صالح كامل في طائرته الخاصة:
المهم أن الله يسَّر لي وسيلة لم تكن في حسابي، فصديقنا الشيخ صالح كامل مدعوٌّ إلى هذا المؤتمر بوصفه صاحب عدد من البنوك الإسلامية «بنوك البركة» وهو يذهب في طائرته الخاصّة، وقد دعاني إلى السفر معه، فقبلت ضيافته، واستجبت لدعوته.
وعند الدخول، لم يعترض أحد على اسمي، ولا ثار أي إشكال. ودخلنا طرابلس التي لم أرها من نحو عشرين سنة، وقد رأيتها لم تتغير كثيرًا. وقد أعلن عن الجائزة في المؤتمر، وطلب مني أن أقول كلمة، فارتجلت كلمة مناسبة.
وبعد يومين أو ثلاثة، عُدت مع الشيخ صالح بطائرته إلى القاهرة، ونزل هو بالقاهرة، واستكملت بنا الطائرة الرحلة إلى جدة، ومن جدة أخذت طائرة الخليج إلى الدوحة.
احتفال بمقر البنك بجدة:
وبعد شهرين أو أكثر، دعاني معالي الدكتور أحمد علي إلى حضور احتفال بمقر البنك يشرف عليه معهد التدريب والبحوث في جدة، وإعداد محاضرة بهذه المناسبة، وسيكون جمهوره من صفوة المثقفين والمهتمين.
محاضرتي عن شروط النجاح لمؤسسة الزكاة:
وأعددت بالفعل محاضرتي عن الشروط المناسبة لنجاح مؤسسة الزكاة. وقد نشرت بعد ذلك، وكان من المدعوين لحضور هذا الحفل الفقيه الكبير العلامة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله ، وكان لديه عذر منعه من الحضور، ولكنه أرسل للأستاذ الدكتور عبد الحميد الغزالي مدير المعهد برسالة يشارك بها في هذا الاحتفال. وقد نُشرت في الكتاب التذكاري عن يوسف القرضاوي بمناسبة بلوغه السبعين. وهي رسالة أعتز بها من فقيه كبير، وعالم رباني له وزنه وقدره عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا، وقد نشرناها في الملاحق في هذا الكتاب.