د.أكرم كساب

في زمن أقل ما يقال فيه أنه زمن الغرائب والعجائب، يصبح الناس على خبر مفاده: القرضاوي مطلوب عن طريق الانتربول!!! هذا والشيخ العلامة الإمام يوسف القرضاوي يقارب التسعين من عمره!!.

لله درك يا يوسف طفلا نابها، وفتى داعيا، وشيخا مضحيا. لله درك يا يوسف عالما فقهيا، وشاعرا أديبا، وخطيبا مفوها.

إن يوسف يا سادة – أحسبه والله حسيبه- أضحى نموذجا يحتذى، وظاهرة تدرس، ومنهجا يعلم، وفكرة تتبنى، وجذوة تضيء للحائرين طريقهم.

يوسف القرضاوي الذي ذاع صيته، وانتشر علمه، وشرقت كتاباته وغربت، وأصبح للدنيا إماما، وللدعاة علما، وللمضحين أسوة، وللمجاهدين قدوة.

ائتوني برجل ألفت فيه عشرات الكتب وما زال حيا؟! أطال الله عمره.

ائتوني بعالم أخذت فيه فكره عشرات الرسائل العلمية في جامعات العالم المختلفة وما زال حيا؟!

ائتوني بداعية طاف بلاد الدنيا وقارتها داعيا إلى الله لا جامعا للمال ولا باحثا عن شهرة؟!

يوسف القرضاوي الذي جمع بين فقه الفقيه, وبلاغة الأديب, وفكر الداعية, وأسلوب المربي, وروح العالم, ورواية المحدث، وحس المؤرخ، ودقة المناظر، وترتيب المحاضر، فترى كلماته كأنها كائن حي، كأنما هي طائر له أجنحة، أو إنسان له قلب يخفق، ولسان يتحرك.

يوسف الذي وقف مع الثوارت كلها ينادي بالحرية والكرامة، ويكافح عن المظلومين، ويجابه المجرمين الظالمين.

يوسف الذي جاهد بقلمه من أجل القدس حتى أضحى ودون منازع شيخ الأقصى، وموجه الانتفاضة.

يوسف الذي سبق زمانه وأقرانه في عشرات المسائل، والتي انتقدوه عليها منتقدوه، فلما دار الزمان دورته عادوا إلى ما قال به، واسأل هؤلاء عن حكم التصوير والتلفاز والأحزاب وغير ذلك..

يوسف الذي أنصف المرأة والأقباط، وحاور العلمانيين والقوميين.

يوسف الذي ساهم في بناء اقتصاد إسلامي في العديد من بنوك العالم وسل بنوك أبو ظبي ودبي والدوحة والبحرين والكويت والسودان وغيرها تخبرك الخبر اليقين.

بعد هذا كله يطلب عن الطريق الانتربول!!

يا عجبا،، ما تهمته إذن؟؟!!

إنها تهمة الأنبياء والمرسلين، والدعاة الربانيين، والعلماء المخلصين، إنها تبصير الناس بدينهم والوقوف في وجه الطغاة الآثمين،،

إن جريمته هي هي جريمة أصحاب الأخدود {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8].

ومن الذي يطلبه عن طريق الإنتربول؟؟!!

إنه المنقلب الخائن، واللص القاتل، والمغتصب المارق، ولسان حال السيسي ومن معه هو شعار قوم لوط حين قالوا:{ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [النمل: 56]. ولكن الآن شعارهم: اجمعوا الأطهار في سجونكم إنهم أناس لا يستعبدون.

هنيئا للقرضاوي ما عُدّ له، فهي والله طريق النبيين قبله والدعاة من بعدهم؛  أليس هذا هو الطريق الذي سلك الصالحون، وقال عنه ابن القيم ( تعب فيه آدم وناح لأجله نوح ورمي في النار الخليل وأضجع للذبح إسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسى وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد عليهم صلوات الله وسلامه).

أليس هو الطريق الذي سجن من أجله خبيب، وحرق من أجله خباب، وجلد من أجله بلال، وترك من أجله صهيب المال، وهاجر من أجله الصحب الكرام .

أليست هي الطريق التي سال من أجلها دم الثلة المباركة يوم بدر وأحد والرجيع وبئر معونة وغيرها من الأيام المباركة؟

ألم يحبس سعيد بن جبير، بل قتله الحجاج بن يوسف الثقفي شر قتلة؟!

ألم يجلد ابن حنبل، ويحبس ابن تيمية، ومثلهما  السرخسي، وابن الجوزي، ومن قبلهم ابن عبد البر وأبو حنيفة.

ألم يحبس عملاق الفكر الإسلامي صاحب الظلال؛ بل أعدم لأنه سار في نفس الطريق.

وأنت أيها الشيخ المبارك ألم تسجن من قبل؟ ألم تتمن أنت الشهادة في سبيل الله، ودعوت الله كثيرا أن تنال هذه المنزلة؟ وكم دعوت بها على منبرك، بل وفي العديد من المؤتمرات والندوات؟!

إذن فليكن ما يكون، ولتكن الخاتمة التي يريدها الله، لا التي يريدها من يبغضك ويكرهك، فسر على بركة الله في ما أمضيت فيه حياتك، ودبجته أناملك، ورسمه فكرك، ولله درك حين قلت:

قل للطغاة الحاكمين بأمـــرهم            إمهال ربي ليس بالإهمــال

إن كان يومكمُ صحت أجـواؤه             فمآلكم والله شر مـــــآل

سترون من غضب السموات العلا        حتمـاً , ويؤذن ظلمكم بزوال

 وتزلزل الأرض التي دانت لكــم        يوماً , وما أعتاه من زلـزال !

البغي في الدنيا قصير عمـــره          وإن احتمى بالجند والأمـوال

يا جند فرعون الذين تميـــزوا           ببذيء أقوال , وسوء فعــال

لا تحسبوا التعذيب يخمد جذوتي       ما ازددت غير تمسك بحبالي

وأخيرا: فلا داعي لإلقاء اللوم على معارضة مستأنسة، أو أوقاف خاب وزيرها، أو أزهر مستعبد، فكلهم لا يملكون أنفسهم ولا يستشعرون حقارة موقفهم.