أكرم كساب
تمر الليالي وتتابع الأيام، ولا يزال الحوار الصحفي الذي أجرته (المصري اليوم) مع العلامة القرضاوي الشغل الشاغل لكثير من الناس، على اختلاف توجهاتهم الفكرية والساسية والمذهبية والعرقية، وعلى تباين ديارهم وأوطانهم، وأصبح الشيخ كما قال أبو الطيب:
أنام ملء جفوني عن شواردها ** ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ
والذي أود الوقوف عنده هنا: هو رصد موقف كل من محبي الشيخ ومبغضيه.
أما محبيه فقد تباينت مواقفهم، وردود أفعالهم.
1- قسم لاذ بالصمت، واكتفى بمطالعة الجديد في هذه الهجمة الشرسة، ورضي لنفسه أن يسب ويسخط على المتطاولين، حتى ولو كان هذا السباب في غرفة لا يسمع من بجوارها صوت من بداخلها. واشترك في هذا الكثير من الأفراد والمؤسسات والجماعات؛ وإن كان الكثير من هؤلاء استفاد وأفاد، وربح وتربح، بل قام الكثير من فكر هؤلاء ومشاريعهم على كتب القرضاوي وأفكاره. وكم سعى ولهث الكثير من هؤلاء لتدبج لهم مقدمة، أو يقرظ لهم كتاب، أو يجاب له على استفسار، أو يوجه من أجلهم – أو بعضهم- نداء عبر الجزيرة أو غيرها من وسائل الإعلام.
2- وقسم انتفض غاضبا لشيخه الذي أحبه، ودينه الذي اتهم فيه، وعرضه الذي أرادوا التطاول عليه، ومكانته التي حاول الأقزام النيل منها، ومن هؤلاء الداعية المجاهد الأستاذ راشد الغنوشي، والذي دبج مقالة جعل عنوانها (كلنا يوسف القرضاوي).
3- وقسم ثالث انتفض أيضا؛ لكن انتفاضته كانت في غير محلها، وصوب سهامه لكن تصويبه في غير موضعه، ومن هؤلاء الكاتب والمفكر الإسلامي المعروف الأستاذ فهمي هويدي، والذي جعل عنوان مقالته (أخطأت يا مولانا) وهب أن مولانا قد أخطأ؛ فهل كل ما قاله كان خطأ؟! وهل الطرف الآخر مبرأ من العيوب والأخطاء؟!
أما القسم الأول الذي لاذ بالصمت؛ فكنا نود منه أن يخرج عن صمته، ويفك عجمة لسانه، ويجري حبر قلمه، ويرد جزءا من الجميل الذي أسداه الشيخ له؛ بل للأمة كلها. لقد حان وقت الحساب، ولحظة رد الجميل، ورد الجميل هنا ليست لشخص القرضاوي، وإنما هي غضبة للحق، ووقفة في وجه الباطل، وزود عن عرض عالم، ومساندة لإنسان مسلم.
أين التيار الوسطي الذي تغنى بكلمات القرضاوي؟
أين جماعة الإخوان المسلمين التي ما فتئ القرضاوي مدافعا عنها؟
أين السلفيون الذين عابوا على الشيخ تبنيه لفكرة التقريب؟
أين الأزهر وعلماؤه وشيوخه؟
أين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأعضاؤه؟
أين مجلس الإفتاء الأوربي للبحوث والدراسات؟
أين من حضروا ملتقى الإمام القرضاوي مع الأصحاب والتلاميذ؟
أين هؤلاء جميعا؛ لا نريد منهم يوافقوا الشيخ أو يخالفوه، إنما كنا نريد منهم ردا على هذه الإساءات، حتى وإن اختلف بعضهم مع بعض أراء الشيخ.
وكنا نود من القسم الثاني والثالث أن يتخذوا موقفا وسطا، فيلست الأمة كلها يوسف القرضاوي، كما قال الغنوشي، ولم يخطئ مولانا كما زعم هويدي، وإنما القرضاوي نفسه لا يأنف أن يرجع عن قول أو رأي إن كان مع مخالفه الدليل.
وأما مبغضي القرضاوي فقد استغلوا الفرصة، وأرادوا أن يصبوا الزيت على النار، فصوبوا سهامهم، وأطلقوا عنان أقلامهم، ورموا الشيخ بعيوبهم، فهو: مفرق الجماعات، ومهدد وحدة الأمة، ومضعف المقاومة...
وأخيرا فأقول: إن المشكلة في أهل السنة تكمن في أمرين:
1- أنها فرقة تعيش بلا مشروع، في عالم اختلق فيه البعض لأنفسهم مشروعا، وخطط فيه الكثير لمشاريعهم، وجعلوها واقعا ملموسا بعد أن كانت حلما بعيد المنال.
2- أن المرجعية الدينية لدى أهل السنة لا تأخذ مكانتها الحقيقية، ولقد أدرك الشيعة هذا فقال سفهاؤهم ما قالوا، لأنهم يعلمون أن ردودنا أضعف من سبابهم، وأن غضبة لرموزنا لا تقوى أمام بذاءتهم، وقد كان.