عصام تليمة

تابعت الضجة المثارة حول الحوار الذي أجرته صحيفة المصري اليوم المصرية، مع شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، وتصريحه: حول التمدد الشيعي في البلاد السنية، وقد أثار هذا الحوار حفيظة بعض رموز الشيعة، ووكالة الأنباء الإيرانية، وقد كان أعقل التصريحات والردود على تصريح الشيخ وأكثرها اتزانا، وحنكة وتبصرا ـ فيما أرى ـ تصريح صديقنا الشيخ حسن الصفار الرمز الشيعي السعودي المعروف، فلم يشتط كما اشتط البعض في تصريحاته.

ولكن المقال الذي جعلني أتوقف أمامه كثيرا، هو مقال أستاذنا الأستاذ فهمي هويدي، وأجدني في غنى عن القول من تعريف القارئ بما بين أستاذنا الأستاذ فهمي هويدي وشيخنا العلامة الشيخ القرضاوي من ود قديم، وصداقة عميقة، وتلاق فكري منذ مدة تزيد على الربع قرن، ولكن لنا بعض الوقفات مع مقال الأستاذ فهمي في نقده لحوار الشيخ، والذي جعل عنوانه (أخطأت يا مولانا) ووقفات مع منتقدي كلام الشيخ:

أولا: أخذ الأستاذ فهمي على الشيخ القرضاوي في حواره مع المصري اليوم أنه تكلم بوصفه رئيسا لاتحاد العلماء، وهو أمر نخالف فيه أستاذنا هويدي، فالقرضاوي ـ مع احترامي لكل أعضاء الاتحاد ـ بوصفه القرضاوي وحده يغنيه أن يكون حواره بوصفه رئيس الاتحاد أو بشخصه فقط، وليس معنى أن يمهر اسمه برئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه يمثل الاتحاد في كل ما يقول، وإلا لنسب للأستاذ فهمي كل قول له للاتحاد، حيث إنه عضو مجلس الأمناء، ولنسب للدكتور العوا وهو الأمين العام ـ وكثيرا ما يعرف في المحاضرات العامة ووسائل الإعلام بهذا الوصف ـ في كل ما يقول للاتحاد، وهو أمر يصعب أن نحكمه، وأذكر الأستاذ فهمي وكل أعضاء الاتحاد أن أستاذنا الدكتور العوا سبق وفعلها من قبل، وأصدر بيانا باسم اتحاد العلماء عندما صرح الشيخ القرضاوي من قبل تصريحا يخص الشيعة، وقال عنها: زلة لسان، وكتبت وقتها مقالا بعنوان: زلة اللسان بين القرضاوي والعوا، أنكرت فيه على الدكتور العوا الزج باسم الاتحاد، في أمر صدر من القرضاوي بصفته العلمية الشخصية، وهي كافية، والزج بالاتحاد في كل قضية، يضعف من مكانة الاتحاد.

ثانيا: أن الأستاذ فهمي ألقى بكل الخطأ على الشيخ، ولم يشر من قريب أو بعيد عن وقاحة بيان الوكالة الإيرانية، فكاتب البيان واضح فيه عدم تقديره للناس، ولا لمكانتهم، بل سوء أدبه، ولا أريد أن أعلق على بيان وكالة الأنباء الإيرانية فقد كفانا في ذلك المجاهد الشيخ راشد الغنوشي في مقاله (كلنا يوسف القرضاوي). وكان على الأستاذ فهمي أن يشير إلى هذا التجاوز الخطير منهم، بدل أن يلقي بالتبعة كلها على الشيخ القرضاوي وحده.

ثالثا: يعلم جيدا الأستاذ فهمي وبقية المخالفين للشيخ في تصريحه، أنه بنى رأيه عن الشيعة وتمددهم في بلاد السنة بناء على معلومات لديه، صحت هذه المعلومات أم لم تصح، أتفق معه المخالفون فيها أو خالفوه، المهم أن رأيه مبني على معطيات، فكان عليهم نقاشه في هذه المعطيات، بدليل لا يقل وضوحا وتوثيقا مما لديه من وثائق ومعلومات عن نشر التشيع في بلاد السنة، فهذا هو اللائق بالنقاش مع شخص في مستوى الشيخ القرضاوي، استند في كلامه على مستندات ومعلومات ووقائع.

رابعا: ما ذكره الشيخ القرضاوي هو حوار صحفي، ومعروف أن لغة الكتابة غير لغة الكلام المرتجل المرسل الذي يكون بلا تحضير ولا تحرير، وكان على الجميع أن يحتكم إلى بيان القرضاوي لا إلى حواره، خاصة أنه أصدر بيانا شافيا وافيا، أوضح فيه موقفه تماما، والبيان بخط يده، وبعبارته هو، لا يستطيع صحفي أن يتصرف في كلمة مكان أخرى، ولا بعبارة تخل بالمعنى، أو تفسده.

خامسا: فقد اتفق الأستاذ فهمي سواء جزئيا أو كليا مع ما قاله الشيخ القرضاوي، وأما النتائج التي قد يفضي إليها كلامه، فقد كان بوسع الإخوة الشيعة الذين هاجموا الشيخ أو نقدوه، أن يثبتوا بدلائل لا تشوبها شائبة عدم صحة ما أعلنه، أو عدم الرد، ويمر التصريح كما تمر عشرات التصريحات، وكما في حوار الشيخ الذي فيه تصريح عن توريث حسني مبارك الحكم لابنه، وعن تشدد الوهابيين، ولكنهم بهجومهم وجهوا الأنظار كلها لكلام الشيخ عن الشيعة، ونسي الكلام الذي عن التوريث في مصر وغيره من القضايا التي أثيرت في الحوار.

بقيت كلمة أوجهها لبعض الإسلاميين الذين يتهمون من يحسنون الظن بالشيعة أو يدافعون عنهم: لا ترموا الناس بلا بينة، فليس معنى دفاع أحد عن إيران أنه عميل لها، أو أن دفاعه له مقابل، فلا يليق أن ترمى الاتهامات جزافا، وكل يبني رأيه على ما يلوح له من رؤية ودليل. هذه الكلمة أوجهها لأني سمعت أكثر من شخص يرمي من يخالفون الشيخ القرضاوي في رأيه في الشيعة: بتهمة التشيع، أو الاقتراب منه، أو العمالة لإيران!

.......

- نقلا عن صحيفة المصريون