حمد الماجد
تحذيرات صريحة وجريئة من التمدد الشيعي في الدول السنية أدلى بها مؤخرا الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لصحيفة «المصري اليوم»، ولو أن هذا التصريح صدر من غير القرضاوي لم يكن له هذا الزخم والصدى، ليس لمكانة القرضاوي العلمية وشهرته في العالم العربي والإسلامي فحسب، ولكن لأن القرضاوي يمثل مدرسة «متسامحة» جلبت عليه الكثير من النقد، الذي يصل أحيانا إلى حد التجريح، فهل تعني الآراء الصريحة للقرضاوي «المتسامح» أن الخطوط الحمراء السنية قد اقتحمها غزو الفكر الشيعي وأن السكين الشيعية وصلت العظم؟
إن المطلع على تصريحات القرضاوي الأخيرة لا يحتاج إلى كبير عناء ليخلص إلى أن الذي «استفز» الشيخ القرضاوي ليدلي بهذه التصريحات الشفافة، هو تحول عدد من المصريين السنة إلى التشيع، لقد كانت الإحصاءات في مصر إلى بضع سنوات خلت تقول إن مسلمي مصر سنيون مائة في المائة، ولم تستطع الأيدلوجية الشيعية أن تخترقها حتى في عهد الحكم الفاطمي الشيعي، وفي الآونة الأخيرة أثمرت الجهود الشيعية «التبشيرية» المكثفة، التي ترعاها إيران وحوزاتها العلمية في تشيع عدد من المصريين، وصل عددهم إلى الألوف أو ربما عشرات الألوف، يستترون وراء أكثر من 76 طريقة صوفية، كما أكد ذلك لموقع «العربية» محمد الدريني أحد قياديي الشيعة المصر يين.
المشكل هنا أن عددا من المراجع والرموز الشيعية، سواء كانت علمية أو فكرية، تمارس خطابا متناقضا، فهي أحيانا تدعو إلى الوحدة بين المسلمين ورص الصف تجاه العدو المشترك وتناسي الخلافات، وتنقم على بعض التوجهات السنية إحياء الطائفية إذا هي تحدثت عن التمايز العقائدي بين الطائفتين، بحجة أن الفئتين مسلمتان ليس بينهما خلاف في الأصول، ولكنها في أحيان أخرى تمد أذرع التشيع وشبكته العقائدية والفكرية في دول هي سنية خالصة، ويدعم هذا الجهد ميزانيات مالية ضخمة بغية وضع موطئ قدم عقائدي يهيئ في المستقبل لقدم سياسية، ولو أن من يقف وراء الجهود التبشيرية للتشيع في مصر يعتبر المصريين مسلمين حقا وحقيقة لما وجه جهده «التبشيري» لهذا البلد المسلم ولكانت جهوده موجهة للوثنيين والملحدين وأتباع الملل والنحل الأخرى في أقصى العالم وأدناه.
أذكر أني التقيت في لندن مفكرا تونسيا يعتبر أحد رموز الحركة الإسلامية التونسية، وكان متعاطفا مع ثورة الخميني، لدرجة أنه اعتبر الخميني أحد مصلحي هذا القرن، يقول لي إنه في غمرة اللقاءات الحماسية المتبادلة بين ممثلي الثورة الإيرانية ورموز حركته (لحشد الجهود ضد العدو المشترك!) لاحظ استغلالا خفيا لهذا التواصل فشرعوا في بذر حركة التشيع في تونس، وهي بلد سني خالص! وانه قال للإيرانيين بلغة حازمة حاسمة إننا تسلمنا هذا الإرث من علمائنا وأسلافنا ولا يمكن أن نفرط فيه ولا نساوم عليه.
لا بد أن يدرك علماء الشيعة وحوزاتها وقادة الرأي فيها والعقلاء منهم أن التسويق للعقيدة الشيعية في الدول الإسلامية السنية الخالصة هو تسويق للمشاكل وبذر لأسباب الفتنة، إذ يكفينا الدول التي يختلط فيها وابل الشيعة بنابل السنة في العراق وباكستان ولبنان، حيث يوقد متطرفو الفئتين نيران الفتنة الطائفية، كلما خبت زادوها سعيرا، يجب على عقلاء الشيعة أن يوقفوا جهود «التبشير» الشيعية في الدول الإسلامية، والشيعة هم المستفيد الأول لأن منافسة الشيعة للسنة في دول أو مناطق لا وجود للشيعة فيها أصلا يخلق شعورا بالمرارة ضدهم، كما أن مثل هذه الأجواء تهيئ مناخا خصبا للعداوة ضد طائفة هي في النهاية لا تشكل أكثر من 10% من المسلمين، هذا ناهيك من خسارة الأصوات المعتدلة المتسامحة، كما حدث للشيخ القرضاوي، الذي اتهموه هو الآخر بالطائفية فقط لأنه انتقد صراحة محاولات تشييع بلاده التي عرفت على مر التاريخ بالانتماء الكامل للمذهب السني.