د. يوسف القرضاوي
الإمام الليث بن سعد هو أحد أئمة الفقه والحديث في القرن الثاني الهجري، ونظير مالك رضي الله عنهما.
ذكر الإمام الذهبي في أعلام النبلاء: عن حَرملة قال: كان الليث بن سعد يصِل مالكا بمائة دينار في السنة، فكتب مالك إليه: عليَّ دَين ، فبعث إليه بخمس مائة دينار. فسمعتُ ابن وهب يقول: كتب مالك إلى الليث: إني أريد أن أُدخل بنتي على زوجها، فأحبُّ أن تبعث لي بشيء من عُصفر، فبعث إليه بثلاثين حِملا عُصفرا، فباع منه بخمس مائة دينار، وبقي عنده فضلة.
قال أبو داود: قال قُتيبة: كان الليث يستغلُّ عشرين ألف دينار في كلِّ سنة، وقال: ما وجبت عليَّ زكاة قطُّ. وأعطى الليثُ ابنَ لَهِيعَة ألف دينار، وأعطى مالكا ألف دينار، وأعطى منصور بن عمَّار الواعظ ألف دينار.
قال: وجاءت امرأة إلى الليث، فقالت: يا أبا الحارث، إن ابنا لي عليل، واشتهى عسلا، فقال : يا غلام، أعطها مِرطا من عسل. والمِرط: عشرون ومائة رطل.
قال شعيب بن الليث بن سعد: سمعتُ أبي يقول: ما وجبت علي زكاة منذ بلغتُ!
وإنما لم تجب عليه الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا بعد مرور الحَول على المال، وهو لا يَدَع المال في يده حتى يمرُّ عليه حَول كامل، بل يبذله في الخير والمعروف.
وجاءت امرأة بسُكُرُّجة (إناء صغير) إلى الليث تطلب عسلا، فأمر مَن يحمل معها زِقًّا (جرَّة كبيرة)، فجعلت تأبى، وجعل الليث يأبى إلا أن يحمل معها من عسل، وقال: نعطيك على قدرنا. وفي رواية: سألت على قدرها، وأعطيناها على قدر النعمة علينا!
وعن الحارث بن مسكين، قال: اشترى قوم من الليث ثمرة، فاستَغْلَوها، فاستقالوه، فأقالهم، ثم دعا بخريطة فيها أكياس، فأمر لهم بخمسين دينارا، فقال له ابنه الحارث في ذلك. فقال: اللهم غفرا، إنهم قد كانوا أمَّلُوا فيها أملا، فأحببتُ أن أعوضهم من أملهم بهذا[1].
...............
[1] انظر: سير أعلام النبلاء (8/132، 133) ط مؤسسة الرسالة. بيروت.