السؤال: ما قول فضيلتكم وما هو رأي الشريعة الإسلامية الغراء، في رجل يتمتع بصحة جيدة، وأعطى أمواله منقولة وغير منقولة لأحد أبنائه، وحرم هذه الأموال على الباقين من الأبناء من بعده، وتوفي الرجل، فهل يحق لهذا الابن التمتع بالأموال دون الباقي؟
جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
فهذا الرجل قد ارتكب إثمًا من جهتين:
الأولى: أنه ميز بعض أبنائه عن غيره؛ بأن أعطاه كل ثروته، وحرم أولاده الآخرين منها؛ وهذا غير جائز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة في قضية مماثلة طلب منه أن يشهد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام لذلك الصحابي: "أشهد على ذلك غيري؛ فإني لا أشهد على جور".
وأجاز بعض العلماء أن يُفضّل بعض الأبناء، أو البنات بشيء من العطاء لسبب معين يجعله أشد حاجة من غيره؛ كأن يكون به عاهة أو برص مزمن، أو يكون أخوته تعلموا وهو لم يتعلم، أو تزوجوا بمساعدة أبيهم، وهو لم يتزوج، أو نحو ذلك، مما يعتبر في الحقيقة محاولة للتسوية في الفرص بين الجميع.
الثانية: أن عمله هذا (وخصوصًا في إعطاء العقارات والأشياء الثابتة) يعتبر مخالفة لأحكام الله تعالى البينة في الميراث، وقد فصَّلها القرآن بعبارات واضحة، مثل قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء:11)، وقوله في آخر الآية {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}، وقوله بعد آيتي الميراث: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (النساء:13-14).
والابن الذي أُعطى وحده كل أموال أبيه دون سائر أخوته وهو يعلم؛ قد قبل الحرام، وشارك الأب في الإثم؛ وعليه أن يسترضى جميع أخوته برد حقوقهم إليهم، أو بعضها إذا رضوا به؛ وبذلك يُبرئ ذمته، وذمة أبيه في قبره، ويكون هذا برًا بالأب وتخفيفًا عنه بعد موته، وصلة للرحم، ورعاية لحق الأخوة من ناحية أخرى. والله يبارك له في القليل الحلال، وهو خير من الكثير الحرام.
وبالله التوفيق