السؤال: أرجو تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا * وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا} (الجن:15-16).
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جاءت هذه الآية في سورة الجن، حينما استمعوا إلى القرآن الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم فعادوا إلى قومهم يقولون: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (الجن:1-2)، وكان من قولهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (الجن:14-15).
القاسط: هو الجائر، الظالم. أي من عدل عن القسط، وانحرف عن العدل فالقاسط غير المقسط، والمقسط: هو العادل.
والله تعالى يحب المقسطين: ولكنه يبغض القاسطين.
وكلمة مقسط من فعل أقسط.
وكلمة قاسط من فعل قسط.
فالهمزة جعلت بين الفعلين فرقا كبيرا في المعنى.. فرق تضاد؛ فأقسط معناها عدل وقسط معناها: ظلم.
المقصود بكلمة "قاسطون" هنا إذن: الظالمون الذين ظلموا أنفسهم فلم يؤمنوا بالله ولم يسلموا، فأولئك كانوا لجهنم حطبا، ولو أسلموا وآمنوا واتقوا ربهم واستقاموا على منهج الله، منهج الإسلام؛ ليسرنا لهم أمور حياتهم ومعيشتهم، وتنزلت عليهم بركات السماء والأرض. وذلك معنى قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا}.
وفي نفس المعنى يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} (الأعراف:96)..
فالاستقامة والتقوى سبيل الرزق والرغد وسبيل الخير كله في الدنيا وفي الآخرة {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2-3)، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} (المائدة:66).
فالاستقامة والإيمان، والوقوف عند منهج الله وحدوده سبب لكل خير في الدنيا والآخرة.