السؤال: ما حكم الأضحية لغير الحاج؟ وهل هناك شروط خاصة يجب اتباعها عند نية الأضحية؟
جواب سماحة الشيخ:
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الأضحية سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضحى عليه الصلاة والسلام عن نفسه بكبشين أملحين أقرنين، عنه وعن آل بيته، قال: اللهم هذا عن محمد وآله، وضحى عمن لم يضح من أمته صلى الله عليه وسلم.
ويقول الإمام أبو حنيفة: إن الأضحية واجب، والواجب عنده فوق السنة ودون الفرض، فيرى أنها واجب على ذوي اليسار والسعة، الحديث "مَن كان عنده سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا"؛ فأخذ من هذا أنها واجبة. فإن لم يثبت وجوبها فهي سنة مؤكدة وفيها فضل عظيم.
ووقتها يبدأ من بعد صلاة العيد، أسبق صلاة عيد في البلد، بعدها تشرع الأضحية، وقبل ذلك لا تكون أضحية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل صلاة العيد أن يعتبر شاته شاة لحم، ليست شاة نسك، وليست شاة عبادة قُربة.. حتى لو تصدق بها كلها، فإنه يكتب له ثواب الصدقة ولا يُكتب له ثواب الأضحية؛ لأن التضحية عبادة، والعبادات إذا حد الشارع لها حدًا، ووقّت لها ميقاتًا؛ لا ينبغي أن نتجاوزه أو نتقدم عليه، كالصلاة، هل يجوز أن تصلي الظهر قبل وقتها؟ لا يجوز؛ كذلك الأضحية لها وقت معين.
هناك بعض الناس في بعض البلاد يذبحون في ليلة العيد؛ وهذا خطأ، وتضييع للسنة وتضييع لثواب الأضحية، وإذا عرف؛ عليه أن يعيد الأضحية، خاصة إذا كان عليه نذر؛ فيجب عليه وجوبًا أن يعيد، فيبدأ من بعد صلاة العيد.
ويجوز أن يذبح في يوم العيد نفسه، وفي ثاني يوم وفي ثالث يوم العيد.. بل هناك قول بالجواز في رابع أيام العيد.. آخر أيام التشريق، والأولى أن يذبح إلى الزوال، فإذا جاء وقت الظهر ولم يذبح؛ يؤخر لليوم الثاني، وبعض الأئمة يقولون: حتى بعد ذلك يصح الذبح ليلًا ونهارًا؛ ولهذا أرى أنه ليس من الضروري أن يذبح الناس كلهم في أول يوم العيد، حيث يكون هناك زحمة على الذبح، فيمكن أن يؤخر بعض الناس الذبح إلى اليوم الثاني أو الثالث، فيكون بعض الناس بحاجة إلى اللحم، فيستطيع أن يوزع في اليوم الثاني أو الثالث على أناس لعلهم يكونون أحوج إلى اللحم من أول أيام العيد. هذا هو وقت الأضحية.
وما يجزئ في الأضحية هو: الإبل والبقر والغنم؛ لأنها هي الأنعام، فيصح أن يذبح أيًا من هذه الأصناف. والشاة عن الواحد، والمقصود بالواحد: الرجل وأهل بيته. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا عن محمد وآله، وقال أبو أيوب: كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يذبح الرجل عن نفسه وأهله شاة واحدة، حتى تباهي القوم فصاروا إلى ما ترى. فهذه هي السنة.
وبالنسبة للبقر والإبل، فيكفي سُبع البقرة أو سُبع الناقة عن الواحد، فيستطيع أن يشترك سبعة أشخاص في البقرة، أو في الناقة؛ بشرط ألا تقل البقرة عن سنتين والناقة عن خمس سنوات، والماعز عن سنة، والضأن عن ستة أشهر. الضأن الجذع، أباح النبي عليه الصلاة والسلام ذبحه ولو كان عمره ستة أشهر، واشترط أبو حنيفة أن يكون سمينًا، وإلا أتم السنة. هذا ما يجزئ في الأضحية.
وكلما كانت أسمن وأحسن كان ذلك أفضل؛ لأنها هدية إلى الله عز وجل.. فينبغي على المسلم أن يقدم إلى الله أفضل شيء، أما أن يجعل لله ما يكره.. فلا؛ ولهذا لا يجوز أن يضحي بشاة عجفاء هزيلة شديدة الهزال، أو عوراء بيِّن عورها، أو عرجاء بين عرجها، أو ذهب أكثر قرنها، أو كانت أذنها مشوهة، أو ذات عاهة أيًا كانت هذه العاهة.. لا! إنما ينبغي على المسلم أن يقدم الشيء النظيف؛ لأنه - كما قلت - هدية إلى الله سبحانه وتعالى.. فليتخير العبد ما يهديه إلى ربه.. وذلك من الذوق السليم، والله سبحانه لن ينال لحومها ولا دماؤها، ولكن يناله التقوى منكم.
هل يتصدق بثمن الأضحية؟
أما أيهما أولى: الصدقة بثمن الأضحية أم الذبح؟
أما بالنسبة للحي، فإن الذبح أولى؛ لأن الذبح شعيرة وقربة إلى الله عز وجل {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فنحن ننحر اقتداء بسنة أبينا إبراهيم، وتذكيرًا بذلك الحدث الجليل، حدث التضحية.
إبراهيم حين جاءه الوحي في الرؤيا، بأن يذبح ولده إسماعيل واستجاب لهذا الوحي، وذهب إلى ابنه وفلذة كبده، إسماعيل بكره الوحيد الذي جاءه على الكبر، وعلى شوق وفي غربة، فبعد هذا كله، وبعد أن رزقه الله، وبشره بغلام حليم، وبلغ معه السعي، وأصبح يرجى منه؛ جاءه الوحي عن طريق الرؤيا الصادقة ليذبحه إنه امتحان.. وامتحان عسير.. على أب في مثل هذه السن، وفي مثل هذه الحال، وفي ولد ذكر نجيب حليم، وبعد أن بلغ معه السعي، في سن أصبح يرجى منه، كل هذا ويأتيه الأمر الإلهي: اذبحه! يريد الله أن يختبر.. قلب خليله إبراهيم، أما زال خالصًا لله عز وجل؟ أم أصبح متعلقًا مشغولًا بهذا الولد؟
هذا هو البلاء المبين.. والامتحان الدقيق العسير، ولكن إبراهيم نجح في الامتحان، ذهب إلى ابنه، ولم يرد أن يأخذه على غرة، ولا على غفلة، ولكن بصَّره بالأمر وقال له: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} (الصافات: 102) ولم يكن في روعة موقف الوالد إلا موقف الولد فإنه لم يتمرد، ولم يتردد، بل قال في ثقة المؤمن وإيمان الواثق: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (نفذ ما لديك من أوامر) {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 103) كلام يشيع منه الإيمان والقوة والتواضع والتوكل على الله.
لم يجعلها بطولة أو ادعاء للشجاعة، بل علق ذلك على المشيئة (ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين) رد الأمر إلى الله، ووكّله إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يهب الإنسان اليقين، يمنحه الصبر، ويهبه قوة الأعصاب، {فَلَمَّا أَسْلَمَا} (الصافات: 103) أسلم الوالد ولده، وأسلم الولد عنقه، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه إلى جبينه، وأراد أن ينفذ ما أُمر به؛ جاءته البشرى، {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصافات: 104 -107) جاءه جبريل بالكبش، وقال له: اذبح هذا بدلًا عن ابنك؛ فأصبحت سنّة في هذا اليوم؛ نضحي تذكيرًا بهذا الحدث.
الأمم دائمًا تحاول أن تُخلِّد أحداثها، وتجسد ذكرياتها العظيمة وتحتفل بأيام مجدها.. يوم الاستقلال.. يوم الجلاء.. يوم النصر.. إلخ؛ فكذلك هذا اليوم من أيام الله، من أيام الإنسانية، من أيام الإيمان، هذا يوم بطولة خالدة، خلَّده الله بشعيرة الأضحية.. فالمسلم يضحي في هذا اليوم، وذلك سنة وهو أفضل من التصدق بثمنها؛ لأنه لو تصدق كل الناس بثمن أضاحيهم، فمعنى ذلك أن هذه الشعيرة تموت، والإسلام يريد أن يحيها، فلاشك أن الذبح أفضل، ولكن هذا في حق الحي، وهو من يضحي عن نفسه وعن أولاده.
ولكن إذا كان للإنسان ميت، ويريد أن يهدي إليه في قبره ثوابًا، فماذا يصنع؟ هل يذبح؟ أم يتصدق بالثمن؟
القول الذي أرجحه وأرتاح إليه؛ أنه في البلد الذي تكثر فيه الذبائح ويكون الناس في غنى عن اللحم؛ يكون في هذه الحالة التصدق بثمن الأضحية عن الميت أفضل؛ لأن الناس كلهم عندهم لحوم، وكلهم مستغنون يوم العيد وفي اليومين التاليين له، ولكن لعل أكثرهم بحاجة إلى دراهم يشتري بها ثوبًا لابنته، أو لعبة لابنه، أو حلوى لأطفاله أو غير ذلك، فهم في حاجة إلى من يوسِّع عليهم في هذه الأيام المباركة أيام العيد وأيام التشريق؛ فلهذا تكون الصدقة عن الميت أفضل من الأضحية في مثل هذه البلاد.
أما في البلاد التي يقل فيها اللحم، ويكون الناس في حاجة إلى اللحوم؛ ففي هذه الحالة، إذا ضحى الإنسان عن الميت ووزع لحم الأضحية عن ميته يكون أفضل. هذا هو الذي أختاره في هذه الناحية.
ثم هناك أمر آخر، وهو أن الميت تشرع الصدقة عنه بإجماع المسلمين، لم يخالف فيها أحد، فهنا أمران لم يخالف فيهما مذهب: الصدقة عن الميت، والدعاء والاستغفار له، أما ما بعد ذلك مثل: أن تقرأ عنه القرآن، أو تذبح عنه، أو غير ذلك؛ فكل هذه الأمور فيها خلاف.
ولذا فالمتفق عليه خير من المختلَف فيه؛ ولهذا أقول: بالنسبة للحي، الأفضل أن يذبح عن نفسه وأهله، وبالنسبة للميت، إذا كان البلد في حاجة إلى اللحم يذبح عن الميت ويضحي عنه، وإذا كان البلد في غير حاجة إلى اللحم؛ فالأولى أن يتصدق بالثمن.
وطبعًا، من حيث توزيع الأضحية، معلوم أن الأولى توزيعها أثلاثًا: ثلث يأكله الإنسان، هو وأهل بيته {فَكُلُوا مِنْهَا} وثلث لجيرانه من حوله، وخاصة إذا كانوا من أهل الإعسار أو ليسوا من أهل السعة، وثلث للفقراء.. ولو فرض أنه تصدق بها كلها، لكان أفضل وأولى؛ على شرط أن يأخذ منها قليلًا للسنة والتبرك، كأن يأكل من الكبد أو من سواها؛ ليصدق عليه أنه أكل منها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وكما كان يفعل أصحابه. والله أعلم