السؤال: أنا أملك مصنعًا للملابس الجاهزة للنساء، وخصوصًا العباءات الحريرية، وننتج في كل عام كميات كبيرة نبيعها للتجار، وقد تبقى عندنا كميات من هذه المنتجات، ولا سيما هذه العباءات النسائية، فهل يجوز لنا أن نخرج زكاة هذا المصنع من منتجاته، أعني أشياء عينية من هذه العباءات الحريرية، أو أن الواجب هو إخراج القيمة فيما يجب علي من زكاة؟
وقبل هذا السؤال ثَم سؤال آخر، وهو: ما قيمة الواجب علي من الزكاة في هذا المصنع؟ فقد سألت بعض العلماء فاختلفوا علي، من قائل بإخراج زكاة رأس المال والربح بنسبة ربع العشر، وحسبوا في رأس المال آلات المصنع، ومنهم من قال بإخراج زكاة الربح فقط، وهؤلاء اختلفوا أيضًا فبعضهم قال بنسبة ربع العشر، وبعضهم قال بنسبة نصف العشر، وبعضهم قال بنسبة العشر.
فنرجو أن تتفضلوا ببيان ما يجب علينا حسب اجتهادكم، فنحن مطمئنون إليه، مستريحون لتقبله أيا كان قدره إن شاء الله.
وفقكم الله تعالى إلى مرضاته، ونفع بكم المسلمين.
جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما الجواب عن الشق الأول أو السؤال الأول، فإن الأصل في الزكاة في التجارات والصناعات: أن تخرج بالقيمة؛ لأن الزكاة إنما وجبت في قيمة الأشياء لا في أعيانها، ثم إن الفقراء والمستحقين قد لا ينتفعون بأعيان الأشياء، أو لا يحتاجون إليها بالمرة أو تكون فوق مستواهم الاجتماعي، أو تكون كلفة عليهم، أو غير ذلك.
خذ مثلاً موضوع العباءات الحريرية إذا أعطيت للفقير، فقد لا يكون عنده امرأة، وقد تكون عنده ولكنها ليست في حاجة إليها، وقد تكون هذه العباءة غالية الثمن فليست مناسبة لها، وما حاجة المرأة الفقيرة إلى عباة بألف ريال، أو بخمسمائة ريال، وهي تستطيع أن تشتري عباءة بأربعين ريالاً فقط، وهي كافية لها، وماذا يكون الحال عند ما يكون المصنع منتجًا للسيارات، هل تنطي للفقير سيارة؟ وهو لا يقدر أن يشتري لها بنزينًا يسيرها؟
إن إخراج العين في مثل هذه الحال لا يجوز إلا في ظروف معينة، وهي حالات الكساد والذي لا يجد صاحب المصنع ـ ومثله التاجر ـ سيولة نقدية يدفع منها زكاته، وعنده أدوات أو سلع يحتاج إليها الفقير، كما لو كانت مواد غذائية ملائمة له، ويستطيع أن يستفيد منها بالاستهلاك العاجل أو التخزين إذا كان قادرًا عليه، ولا بد أن يعرض ذلك على الفقير ويرضى به، وإلا لا يجوز إلا القيمة.
وأما الجواب عن السؤال الثاني، فإن الذي انتهى إليه اجتهادنا فيه بالنسبة للمصانع ومثلها المطابع والفنادق والعمارات السكنية المؤجرة ونحوها مما أطلقنا عليه كلمة (المستغلات) ونعني بها: الأشياء التي تبقى عينها وينتفع بثمراتها وغلتها. اجتهادنا فيها: أنها بمثابة الأرض الزراعية التي تجب الزكاة فيما أخرجت ـ أو فيما أخرج الله منها ـ من زرع وثمر، وكذلك هذه الأشياء أو المستغلات هي أموال أو أصول ثابتة، ولكنها تخرج ثمرة أو تدر ربحًا، هو بمنزلة الزرع والثمر من الأرض؛ فالواجب في صافي الربح هنا هو العشر، قياسًا على الأرض المسقية بغير الآلة، "فيما سقت السماء العشر" وصافي الربح بمثابة الزرع الذي سقته السماء.
ونعني بصافي الربح: ما ظهر في نهاية العام بعد حسم النفقات والأجور المختلفة، ومنها نفقات الصيانة، مضافًا إليها مقابل استهلاك الآلات والعقارات، مع عدم المبالغة في هذا التقدير، ثم يحسب الصافي من الأرباح، فيخرج عشره، وإن لم يوزع كله، فقد يوضع بعضه في الاحتياطات ونحو ذلك.
والواجب إخراجه في الحال، ولا ينتظر به الحول، تطبيقًا للقياس على الأرض الزراعية، وقد قال تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}
والحمد لله أولاً وآخرًا.