السؤال: ما حكم صلاة الجمعة قبل الزوال، أو بعد دخول وقت العصر؛ وذلك لضيق الوقت لاستيعاب الخطبة والصلاة في وقت الظهر في بعض البلاد في فترة الشتاء خاصة، أو لعدم وجود فرصة لأداء الجمعة بسبب الدراسة أو العمل إلا في وقت مبكر على الوقت أو متأخر عنه؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، (وبعد)

جمهور الفقهاء على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر: أي من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله عدا فيء الزوال؛ فلا يجوز تقديمها على هذا الوقت أو تأخيرها عنه.

توسعة الحنابلة في أول الوقت:

ولكن الحنابلة وسعوا في وقتها من الأول والبداية، فجعل بعضهم وقتها وقت صلاة العيد، أي من ارتفاع الشمس بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، إلى أن ينتهي وقت الظهر، وبعضهم جعل وقتها من "الساعة السادسة" وهي الساعة التي تسبق الزوال، ولهم في ذلك أدلة من الحديث النبوي، ومن عمل الصحابة.

قال في "المبدع": "وأول وقتها: وقت صلاة العيد، نص عليه (أي أحمد) وقاله القاضي وأصحابه؛ لقول عبد الله بن سيدان: شهدت الجمعة مع أبي بكر، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني وأحمد واحتج به (1).

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" في شرح قول الخرقي: "وإن صلوا الجمعة قبل الزوال في الساعة السادسة؛ أجزأتهم".

(والساعة السادسة هي الساعة التي تسبق الزوال، فإن كان وقت الظهر فقط من الساعة الثانية عشرة ظهرًا؛ فالساعة السادسة تبدأ من الساعة الحادية عشرة).

قال ابن قدامة: وفي بعض النسخ، في الساعة الخامسة. والصحيح في الساعة السادسة. وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز صلاتها فيما قبل السادسة. وروي عن ابن مسعود، وجابر وسعيد ومعاوية؛ أنهم صلوها قبل الزوال. وقال القاضي وأصحابه: يجوز فعلها في وقت صلاة العيد. وروى ذلك عبد الله (ابن الإمام أحمد) عن أبيه، قال: نذهب إلى أنها كصلاة العيد.

وقال مجاهد: ما كان للناس عيد إلا في أول النهار.

وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى: الجمعة، والأضحى، والفطر، لما روي عن ابن مسعود، أنه قال: ما كان عيد إلا في أول النهار، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الجمعة في ظل الحطيم. (2) رواه ابن البختري في "أماليه" بإسناده.

وروي عن ابن مسعود، ومعاوية، أنهما صليا الجمعة ضحى، وقالا: إنما عجلنا خشية الحر عليكم.

وروى الأثرم حديث ابن مسعود.

ولأنها عيد؛ فجازت في وقت العيد، كالفطر والأضحى.

والدليل على أنها عيد: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" (3). وقوله: "قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان".(4)

وقال أكثر أهل العلم: وقتها وقت الظهر، إلا أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها؛ لقول سلمة بن الأكوع: "كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفئ". متفق عليه.

وقال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس. رواه البخاري. ولأنهما صلاتا وقت، فكان وقتهما واحدًا، كالمقصورة والتامة؛ ولأن إحداهما بدل عن الأخرى، وقائمة مقامها، فأشبها الأصل المذكور؛ ولأن آخر وقتهما واحد، فكان أوله واحدًا، كصلاة الحضر والسفر.

وقال ابن قدامة: ولنا، على جوازها في السادسة السنة والإجماع، أما السنة فما روى جابر بن عبدالله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس. أخرجه مسلم.

وعن سهل بن سعد، قال: ما كنا نقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. قال ابن قتيبة: لا يسمى غداء، ولا قائلة، بعد الزوال. وعن سلمة، قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان فئ نستظل به. رواه أبو داود.

وأما الإجماع، فروى الإمام أحمد، عن وكيع، عن جعفر بن برقان... وذكر حديث عبدالله بن سيدان الذي ذكرناه، وفيه: فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره. قال: وكذلك روي عن ابن مسعود، وجابر، وسعيد، ومعاوية، أنهم صلوا قبل الزوال، وأحاديثهم تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته، ولا خلاف في جوازه، وأنه الأفضل والأولى، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال، ولا تنافي بينهما.

وأما في أول النهار، فالصحيح أنها لا تجوز؛ لما ذكره أكثر أهل العلم؛ ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل، من نص، أو ما يقوم مقامه، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه، أنهم صلوها في أول النهار؛ ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر، وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل، وهو مختص بالساعة السادسة، فلم يجز تقديمها عليها، والله أعلم.

ولأنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر المصلين؛ لأن العادة اجتماعهم لها عند الزوال، وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس، وعدد يسير، كما روي عن ابن مسعود، أنه أتى الجمعة، فوجد أربعة قد سبقوه، فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد (5) اهـ

ويرد على هذا بأنها حين يتفق على وقتها في بلد ما، ويعلن عنه، لا تفوت أحدًا، ولا تشق على أحد؛ لأنهم سيسعون إليها في الوقت المناسب لها.

على أنَّا لا نُجيز أداءها في أول النهار إلا للضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فيقتصر عليها، وتقدر بقدرها.

توسعة المالكية في آخر الوقت:

وأما المالكية، فقد وسعوا في وقت الجمعة من جهة الآخر والنهاية، فقد أجاز بعضهم أن يستمر وقتها إلى الغروب أو ما قبل الغروب بقليل اختلف في تحديده.

فقال ابن القاسم: ما لم تغب الشمس، ولو كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب.

وعند سحنون: قبل الغروب بقدر الخطبة والجمعة وجملة العصر. وبعضهم قال: إلى اصفرار الشمس. الخ (6)

وعلى ضوء هذا يمكننا الاستفادة من هذه الرخصة في المذهبين: الحنبلي والمالكي، إذا وجدنا المسلمين في حاجة إليهما، حتى لا تضيع على المسلمين الجمعة خارج دار الإسلام، وهي من الأمور المهمة التي يجب أن يحرص عليها المسلمون، ويتشبثوا بها؛ لما فيها من تقوية الروابط، وتوثيق الصلة بالدين وشعائره، وتذكير المسلمين إذا نسوا، وتقويتهم إذا ضعفوا، وتأكيد هويتهم، وتثبيت أخوتهم.

فإذا استطعنا أن يصلي المسلمون الجمعة في الوقت المتفق عليه، وهو بعد الزوال إلى العصر؛ فهو الأولى والأحوط، والواجب على قادة المسلمين الفكريين والعمليين: أن يحرصوا دائمًا على الخروج من المختلف فيه إلى المتفق عليه ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا.

أما إذا تعارض ذلك مع ظروف المسلمين في بعض البلدان أو في بعض الأوقات، أو في بعض الأحوال؛ فلا حرج في الأخذ بالمذهب الحنبلي في التبكير بالصلاة قبل الزوال، ولو في وقت صلاة العيد عند الضرورة؛ فإن للضرورات أحكامها.

وكذلك في الأخذ بالمذهب المالكي بجواز تأخير الصلاة إلى ما بعد العصر؛ تقديرا للحاجة، وتحقيقا لهذه المصلحة الدينية.

على أن يعلن ذلك على المسلمين ويعرفوه، ويتفقوا عليه؛ حتى يجتمعوا عليه، ويؤدوا فريضتهم الأسبوعية، كما أمر الله تعالى ورسوله.

.....

(1) المبدع في شرح المقنع لابن مفلح ج2/ 147،148. وحديث ابن سيدان قال الحافظ في الفتح: (2/ 321): رجاله ثقات، إلا عبد الله بين سيدان، فإنه تابعي كبير، إلا أنه غير معروف بالعدالة، قال ابن عدي: شبه المجهول، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه، بل عارضه ما هو أقوى منه.

(2) الحطيم بمكة: هو ما بين المقام إلى الباب، أو ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر. معجم البلدان 2/ 290.

(3) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 349. والإمام مالك، في: باب ما جاء في السواك، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 65 مرسلًا.

(4) رواه أبو داود في الصلاة عن أبي هريرة: (1073) وابن ماجة: (1311).

(5) انظر: المغني لابن قدامه بتحقيق د. عبدالله التركي، و د. عبد الفتاح الحلو.

(6) انطر: الذخيرة للقرافي ج2/ 331،232.