السؤال: ما حكم دفن الميت المسلم في مقابر النصارى، لعدم وجود مقبرة للمسلمين، أو مع وجود مقبرة للمسلمين، لكنها بعيدة عن أهل الميت، بحيث لا يتيسر لهم الزيارة لميتهم بسهولة كلما أرادوا؟

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..

هناك أحكام شرعية مقررة تتعلق بشأن المسلم إذا مات، مثل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، ومن ذلك دفنه في مقابر المسلمين. ذلك: أن للمسلمين طريقة في الدفن واتخاذ المقابر، من حيث البساطة والاتجاه إلى القبلة، والبعد عن مشابهة المشركين والمترفين وأمثالهم.

ومن المعروف: أن أهل كل دين، لهم مقابرهم الخاصة بهم، فاليهود لهم مقابرهم، والنصارى لهم مقابرهم، والوثنيون لهم مقابرهم، فلا عجب أن يكون للمسلمين مقابرهم أيضاً، وعلى كل مجموعة إسلامية في البلاد غير الإسلامية أن تسعى - بالتضامن فيما بينها - إلى اتخاذ مقبرة خاصة منفصلة للمسلمين، وتجتهد في إقناع المسئولين بذلك، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.

فإذا لم يستطع المسلمون الحصول على مقبرة خاصة مستقلة، فلا أقل من أن يكون للمسلمين رقعة خاصة في طرف من أطراف مقبرة النصارى، يدفنون فيها موتاهم.

فإذا لم يتيسر هذا ولا ذاك للمسلمين، ومات لهم ميت، فليعملوا على نقله -إن تيسر لهم- إلى مدينة أخرى فيها مقابر للمسلمين، وإلا فليدفنوه في مقابر النصارى، حسب استطاعتهم، وفقاً لأحكام الضرورة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولن يضير المسلم الصالح إذا مات أن يدفن في مقابر غير المسلمين في مثل هذه الحال، فإن الذي ينفع المسلم في آخرته هو سعيه وعمله الصالح، وليس موضع دفنه "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم:39) .

بقي أن أقول للأخ السائل بأن بعد المقبرة عن أهل الميت لا يسوّغ دفن الميت في مقبرة غير المسلمين، فإن دفن المسلم في مقبرة المسلمين فريضة كما يبدو من إجماع العلماء على ذلك، وزيارة الميت نافلة، ولا يجوز أن تضيع فريضة من أجل نافلة.

كما أحب أن أبين هنا أن الأصل في زيارة المقابر إنما شرعت أساساً لمصلحة الزائر، للعبرة والاتعاظ، كما جاء في الحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة"(1).

أما الميت فيستطيع المسلم أن يدعو له ويستغفر له، ويصله الثواب بفضل الله تعالى في أي مكان كان الداعي والمستغفر له.

................

(1) رواه أحمد والحاكم عن أنس. صحيح الجامع الصغير (4584).