السؤال: ما حكم العمل في التلفزيون الرسمي في مجال الرسوم والجرافيك باستخدام الكمبيوتر، خصوصًا عند استخدام هذه الرسوم والصور لما فيه صالح الأمة العربية والإسلامية؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
اختلف العلماء حول حكم رسم ما فيه روح كالإنسان والحيوان، وذهب الجمهور إلى تحريم ذلك، بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أن رسم ما فيه روح ليس حرامًا، ولكنه قد يكون مكروهًا؛ إذا كان من مظاهر الترف .وعلى كل حال فاستخدام الرسم في وسائل الإعلام بغرض الدعوة والتعليم النافع لا يدخل في دائرة الحرام، بل يكون مطلوبًا شرعًا، ويتأكد هذا الطلب إذا تعينت هذه الوسائل لتوصيل الدعوة والعلوم النافعة للناس، وهذا ما لم يكن موضوع الصورة حرامًا في نفسه كالصور التي تمجد الفسقة والظلمة والملاحدة وكالصور العارية .
ويقول فضيلة الشيخ القرضاوي مبينًا حكم استخدام الكرتون والجرافيك في الأمور الدعوية:
من قديم فصّلنا الأحكام المتعلقة بالتصوير والمصورين في كتابنا "الحلال والحرام في الإسلام"، ورجّحنا في ضوء الأدلة الشرعية ما ذهب إليه بعض فقهاء السلف: أن المُحرَّم من الصور هو ما كان له ظل، أي ما كان مجسّمًا، وهو الذي نسميه بلغة العصر "التماثيل"؛ لأنها هي التي تضاهي خلق الله، فإن خلقه تعالى مجسّم، كما قال سبحانه {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء} (آل عمران:6)، وتصويره تعالى في الأرحام: تحويل الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة، إلى عظام مكسوة لحمًا، ثم ينشئه خلقًا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وجاء في الحديث القدسي: "ومَن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟"، فهذا هو خلق الله، إنه مجسم دائمًا، والمجسم هو الذي يُتصور فيه نفخ الروح، حيث يُطالَب المصوِّر يوم القيامة: أن ينفخ في صورته الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا، كما صح في الحديث، ولا يُستثنى من ذلك غير "لعب الأطفال" لحاجتهم إليها، ولخلوها من التعظيم للصورة.
وعلى ضوء هذا نقول: إن الصور المسطحة تخرج عن التحريم إلى الجواز، وفي السؤال الذي معنا عدة أمور إضافية؛ تخفف الحكم في هذه الصيغة خاصة:
الأول: أن "الرسوم الكارتونية" ليست صورًا كاملة، بل هي صور ذات طبيعة خاصة، لا تستجمع كل ملامح الصورة الحقيقية.
والثاني: أنها تستخدم لأغراض دعوية وتربوية وتثقيفية، والأولاد الصغار يقبلون عليها غاية الإقبال، ويتابعونها، ويتأثرون بها، فينبغي علينا ألا نهمل هذه الوسيلة المحببة، وأن نستخدمها في تعليم الأطفال والمراهقين ما ينبغي أن يتعلموه من العقائد والقيم والمفاهيم.
الثالث: أن الآخرين استخدموا هذه الوسيلة من مدة طويلة، وغزونا بها غزوا كاسحًا في التليفزيونات المختلفة في أوطاننا، وغدت هذه المسلسلات الكرتونية هي الغذاء اليومي الشهي لأبنائنا وبناتنا، وقد أدمن الجميع عليه، ولم يعد من السهل فطامهم عنه؛ إلا بـ "بديل إسلامي" مناسب، يحمل نفس العناصر التعليمية والتشويقية، التي تجذب الأطفال بسهولة.
بل إني أرى أنه من المتعين علينا أن نخوض هذه المعركة الإعلامية الفنية بكل قوة، حتى نسد هذه الثغرة، ونلبي هذه الحاجة الملحة، بأدوات تعبر عن ديننا ورسالتنا وحضارتنا وتقاليدنا، فهذا من فروض الكفاية الواجبة اليوم على الأمة في مجموعها.
وعلى أهل الاختصاص القادرين من أهل الإبداع الأدبي والفني الملتزم، على إنتاج مثل هذه البرامج؛ أن يسارعوا بها، وعلى غيرهم من أهل السلطان، وأصحاب المال، أن يعينوهم على أداء هذه الرسالة النافعة والضرورية. ورحم الله كل من أسهم في هذا العمل بنصيب.
والله أعلم