د. يوسف القرضاوي
أهل الذمة وهم أهل الكتاب ومن في حكمهم ممن يعيشون بين ظهراني المسلمين، حيث دخلوا في ذمتهم، وخضعوا لسلطان دولتهم، وقبلوا جريان أحكام الإسلام عليهم، واكتسبوا بذلك التبعية لدار الإسلام، أو ما يشبه "الجنسية" بلغة عصرنا، فهؤلاء في صرف الزكاة والصدقات إليهم، خلاف وتفصيل، نوضحه فيما يلي:
الإعطاء من صدقة التطوع:
لا جناح على المسلم أن يعطي غير المسلم من أهل الذمة مما يتطوع به من الصدقات رعاية للرابطة الإنسانية، ولحرمة العهد الذي بينهم وبين المسلمين. وكفرهم بالإسلام لا يمنع من البر بهم والإحسان إليهم - ما داموا غير محاربين للمسلمين - قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذي لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة: 8).
وقد نزلت هذه الآية ردًا على تحرج بعض المسلمين من برِّ أقاربهم المشركين.
وقبل هذا ما رواه عن ابن عباس: أنهم كانوا يكرهون الصدقة على أنسابهم وأقربائهم من المشركين، فسألوا فرخِّص لهم، ونزلت هذه الآية (ابن كثير: 4/349 - طبع الحلبي). (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) (البقرة: 272).
ومعنى (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) - كما قال ابن كثير (الجزء الأول ص 224)- أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب: ألبرٍّ أو فاجر؟ أو مستحق أو غيره؟ وهو مثاب على قصده، ومستند هذا تمام الآية: (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون).
وقد مدح الله الأبرار من عباده بقوله: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا) (الإنسان: 8).
وقد كان الأسرى حينئذ من أهل الشرك، كما جاء عن الحسن وغيره (مصنف ابن أبي شيبة: 4/39-40).
الإعطاء من صدقة الفطر:
وقريب من صدقة التطوع، صدقة الفطر، والكفارات والنذور؛ فقد أجاز أبو حنيفة ومحمد وبعض الفقهاء صرفها إلى أهل الذمة، لعموم الأدلة مثل قوله تعالى في الصدقات: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم) (البقرة: 271). من غير فصل بين فقير وفقير.
ومثل قوله -تعالى- في الكفارات: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) (المائدة: 89). (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا) (المجادلة: 4). من غير فصل بين مسكين ومسكين.
ولأن هذا من باب إيصال البر إليهم وما نهينا عنه.
ومع ذلك قالوا: إن صرف هذه الأشياء إلى فقراء المسلمين أفضل بلا ريب، لما فيه من إعانة المسلم على طاعة الله.
واشترط أبو حنيفة ألا يكون غير المسلم عدوًا محاربًا للمسلمين؛ لأن الصرف إليه حينئذ يقع إعانة له على قتال أهل الإسلام، وهذا لا يجوز (انظر: بدائع الصناع: 2/49).
ونقل أبو عبيد وابن أبي شيبة عن بعض التابعين: أنهم كانوا يعطون الرهبان من صدقة الفطر (الأموال ص 613، 614 والمصنف: 4/39).
الإعطاء من زكاة الأموال لا يجوز عند الجمهور:
أما زكاة الأموال من العشر ونصف العشر وربع العشر، فالجمهور الأعظم من العلماء على أنه لا يجوز دفع شيء منها لغير مسلم، حتى قال ابن المنذر: أجمعت الأمة: أنه لا يجزئ دفع زكاة المال إلى الذمي، واختلفوا في زكاة الفطر (انظر: المجموع للنووي: 6/228، والإجماع المذكور في غير المؤلفة قلوبهم).
وأقوى ما استدل به الجمهور لمذهبهم: حديث معاذ: (إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم)، فقد أمر برد الزكاة في فقراء من تؤخذ من أغنيائهم، وهم المسلمون، فلا يجوز وضعها في غيرهم.
ــــــــ
- عن كتاب فقه الزكاة ج2 لفضيلة العلامة القرضاوي.