السؤال: ما حكم لبس الثوب القصير بالنسبة للمرأة، هل هو حلال أم حرام؟ وإني أرى كثيرا من المدرسات يلبسن هذا النوع من الثياب.. فأرجو البيان، مع توضيح حقيقة الزي الشرعي للمرأة.
جواب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
من المؤسف حقا أن يسأل مثل هذا السؤال، في المجتمع الإسلامي، لأن الحكم فيه بين واضح، والمفروض أن تكون الأسئلة في الأمور المشتبهات وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس".
وبعض العلماء يضربون مثلا طريفا فيقولون: إن القطة تعرف الحلال من الحرام، فإنك إذا أعطيتها قطعة لحم، أكلتها وهي مطمئنة، بينما إذا خطفتها فإنها تجري وتعدو، لأنها تعرف بأنها أخذتها بغير حق.. تعرف ذلك بالفطرة..
فإذا كان هذا شأن الحيوان، فما بالك بالإنسان؟.
هناك أمور الحلال فيها بين والحرام بين، وهناك أمور مشتبهة.
فالأمور المشتبهة هي التي يسأل فيها، ولكن في عصرنا، للأسف -أصبحت الأمور البينة مشتبهات. فأصبح كثير من الناس يسألون عن أمور هي من الحرام البين ولا ينبغي أن يسأل عنها، ومن ذلك الثياب القصيرة التي تسأل عنها السائلة الكريمة.. هل هي حلال أم حرام؟.
ولا ينبغي أن يشك في حرمة لبس هذه الثياب أبدا.. أو يتردد فيها إذا ظهرت بها المرأة أمام أجنبي عنه. وإذا كانت بعض النساء يفعلن هذا، ففعلهن ليس حجة وليس تشريعا، وإن كن مدرسات كما تقول الفتاة السائلة. على أن للمدرسات في داخل المدرسة إذا كان من فيها بنات ونساء، وليس فيها رجال قط -ما ليس لغيرهن في الشارع مثلا، فإن للمرأة أن تبدي زينتها لامرأة مثلها ولا يجوز هذا في الشارع الذي يراها فيه الرجال والنساء على السواء. ولكن ما يجوز لها أن تبديه لامرأة مثلها أيضا محدد ومعقول، ليس كما نرى الآن، وكما نشاهد…إلى حد "الميني جيب" أو "الميكروجيب" وغير ذلك من مبتدعات هذا العصر الخارجة عن الدين، وعن الإسلام، وعن العقل، وعن الأخلاق، وعن التقاليد… هذا صنع اليهود… هم الذين يخططون لمثل هذه الأمور.. يريدون أن يدمروا العالم ويدمروا ما فيه من قيم ومن مثل عليا… حتى يسيطروا على الناس بأزمة الشهوات… إنهم عن طريق إثارة الشهوات، يحاولون أن يتحكموا برقاب الناس، هذه الفكرة … فكرة صهيونية… ألا وهي التلاعب بعقول النساء وأفكارهن، حيث يبتدعون لهن في كل سنة بل في كل فصل من السنة "موضة" جديدة… كي يقصر الثوب فوق الركبة، وكم يطول تحت الركبة، وكم ينحسر عن الذراع، وعن الصدر… هذا كله عبث، ولا ينبغي للمرأة المسلمة المتدينة أن تلقي إلى هذا بالا، وخاصة إذا خرجت إلى الشارع ويراها الناس.
والواجب على المرأة أن تحتشم وأن تلتزم ما أمر الله تعالى به، فهذا أمر نزل في القرآن الكريم: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن).
فليس يحل للمرأة أن تبرز زينتها للأجانب إلا ما ظهر منها، وما ظهر منها -كما فسره ابن عباس وغيره- الوجه والكفان. هذا هو أرجح الأقوال وأيسرها وأليقها، بطبيعة عصرنا.
أما أن تخرج المرأة على الحالة التي نراها في بعض العواصم وبعض البلاد فهذا شيء لا يمكن أن يقره دين ولا يقره خلق ولا يمكن أن يقره منطق.
إن الله تعالى حدد للمرأة زيا وحددت السنة لها ذلك أيضا، وقد كتبت حول هذا الموضوع في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام" وأنقل لكم هنا ما كتبته في ذلك.
"مما يخرج المرأة عن حد التبرج أن تكون ملابسها موافقة لأدب الشرع الإسلامي، واللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية:
أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله: (إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان -كما سبق ذكره-.
ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.
ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها.
فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث… وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.
رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل… فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها… حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال… فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة… فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته… فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء.
فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به… ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال… وذلك شر وفتنة من فتن العصر… أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته… قفي عند حدك… بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته… لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة… ولا أن يقول لها شيئا من ذلك… ضعف الرجال… لضعف الدين… وضعف اليقين… وضعف الإيمان.
والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم… لا بد من هذا… ولا بد أن نقاوم هذا الزحف… وهذا التيار..
ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم… وبتعاليمه القويمة… سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته… والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.